تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 10 من سورة الرعد
قوله تعالى : سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار قوله تعالى : سواء منكم من أسر القول ومن جهر به إسرار القول : ما حدث به المرء نفسه ، والجهر ما حدث به غيره ; والمراد بذلك أن الله سبحانه يعلم ما أسره الإنسان من خير وشر ، كما يعلم ما جهر به من خير وشر . و " منكم " يحتمل أن يكون وصفا ل " سواء " التقدير : سر من أسر وجهر من جهر سواء منكم ; ويجوز أن يتعلق ب " سواء " على معنى : يستوي منكم ، كقولك : مررت بزيد . ويجوز أن يكون على تقدير : سر من أسر منكم وجهر من جهر منكم . ويجوز أن يكون التقدير : ذو سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، كما تقول : عدل زيد وعمرو أي ذوا عدل . وقيل : سواء أي مستو ، فلا يحتاج إلى تقدير حذف مضاف .
ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار أي يستوي في علم الله السر والجهر ، والظاهر في الطرقات ، والمستخفي في الظلمات . وقال الأخفش وقطرب : المستخفي بالليل الظاهر ; ومنه خفيت الشيء وأخفيته أي أظهرته ; وأخفيت الشيء أي استخرجته ; ومنه قيل للنباش : المختفي . وقال امرؤ القيس :
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
والسارب المتواري ، أي الداخل سربا ; ومنه قولهم : انسرب الوحشي إذا دخل في كناسه . وقال ابن عباس : مستخف مستتر ، وسارب ظاهر . مجاهد : مستخف بالمعاصي ، وسارب ظاهر . وقيل : معنى سارب ذاهب ; قال الكسائي : سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب ; وقال الشاعر :
وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي ذاهب . وقال أبو رجاء : السارب الذاهب على وجهه في الأرض ; قال الشاعر :
أنى سربت وكنت غير سروب
وقال القتبي : سارب بالنهار أي منصرف في حوائجه بسرعة ; من قولهم : انسرب الماء . وقال الأصمعي : خل سربه أي طريقه .