تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 15 من سورة الحجر
معنى سكرت سدت بالسحر ; قاله ابن عباس والضحاك . وقال الحسن : سحرت . الكلبي : أغشيت أبصارنا ; وعنه أيضا عميت . قتادة : أخذت . وقال المؤرج : دير بنا من الدوران ; أي صارت أبصارنا سكرى . جويبر : خدعت . وقال أبو عمرو بن العلاء : سكرت غشيت وغطيت . ومنه قول الشاعر :
وطلعت شمس عليها مغفر وجعلت عين الحرور تسكر
وقال مجاهد : سكرت حبست . ومنه قول أوس بن حجر :
فصرت على ليلة ساهرة فليست بطلق ولا ساكرة
قلت : وهذه أقوال متقاربة يجمعها قولك : منعت . قال ابن عزيز : سكرت أبصارنا سدت أبصارنا ; هو من قولك ، سكرت النهر إذا سددته . ويقال : هو من سكر الشراب ، كأن العين يلحقها ما يلحق الشارب إذا سكر . وقرأ ابن كثير " سكرت " بالتخفيف ، . والباقون بالتشديد . قال ابن الأعرابي : سكرت ملئت . قال المهدوي : والتخفيف والتشديد في سكرت ظاهران ، التشديد للتكثير والتخفيف يؤدي عن معناه . والمعروف أن " سكر " لا يتعدى . قال أبو علي : يجوز أن يكون سمع متعديا في البصر . ومن قرأ " سكرت " فإنه شبه ما عرض لأبصارهم بحال السكران ، كأنها جرت مجرى السكران لعدم تحصيله . وقد قيل : إنه بالتخفيف [ من ] سكر الشراب ، وبالتشديد أخذت ، ذكرهما الماوردي . وقال النحاس : والمعروف من قراءة مجاهد والحسن " سكرت " بالتخفيف . قال الحسن : أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال : سكرت أبصارهم إذا غشيها سمادير حتى لا يبصروا . وقال الفراء : من قرأ سكرت أخذه من سكور الريح . قال النحاس : وهذه الأقوال متقاربة . والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء - رحمه الله تعالى - ، قال : هو من السكر في الشراب . وهذا قول حسن ; أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما غطى عقله . وسكور الريح سكونها وفتورها ; فهو يرجع إلى معنى التحيير .