تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 94 من سورة الحجر
قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر أي بالذي تؤمر به ، أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم ، فقد أمرك الله بذلك . والصدع : الشق . وتصدع القوم أي تفرقوا ; ومنه يومئذ يصدعون أي يتفرقون . وصدعته فانصدع أي انشق . أصل الصدع الفرق والشق . قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه :
وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع
أي يفرق ويشق . فقوله : اصدع بما تؤمر قال الفراء : أراد فاصدع بالأمر ، أي أظهر دينك ، ف " ما " مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر . وقال ابن الأعرابي : معنى اصدع بما تؤمر ، أي اقصد . وقيل : فاصدع بما تؤمر أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض ; فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار .
قوله تعالى : وأعرض عن المشركين أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالاة بقولهم ، فقد برأك الله عما يقولون . وقال ابن عباس : ( هو منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين ) . وقال عبد الله بن عبيد : ما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا حتى نزل قوله - تعالى - : فاصدع بما تؤمر فخرج هو وأصحابه . وقال مجاهد : أراد الجهر بالقرآن في الصلاة . وأعرض عن المشركين لا تبال بهم .