تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 29 من سورة مريم
قوله تعالى : فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا
قوله تعالى : فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا التزمت مريم - عليها السلام - ما أمرت به من ترك الكلام ، ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب إني نذرت للرحمن صوما وإنما ورد بأنها أشارت ، فيقوى بهذا قول من قال : إن أمرها ب ( قولي ) إنما أريد به الإشارة . ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها ، ثم قالوا لها على جهة التقرير كيف نكلم من كان في المهد صبيا وكان هنا ليس يراد بها الماضي ؛ لأن كل واحد قد كان في المهد صبيا ، وإنما هي في معنى هو الآن . وقال أبو عبيدة : كان هنا لغو ؛ كما قال :
[ الفرزدق ] :
وجيران لنا كانوا مراما
وقيل : هي بمعنى الوجود والحدوث كقوله : وإن كان ذو عسرة وقد تقدم . وقال ابن الأنباري : لا يجوز أن يقال : زائدة وقد نصبت صبيا ولا أن يقال ( كان ) بمعنى حدث ، لأنه لو كانت بمعنى الحدوث والوقوع لاستغنى فيه عن الخبر ، تقول : كان الحر وتكتفي به . والصحيح أن من في معنى الجزاء وكان بمعنى يكن ؛ التقدير : من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه ؟ ! كما تقول : كيف أعطي من كان لا يقبل عطية ؛ أي من يكن لا يقبل . والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء ؛ كقوله تعالى : تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار أي إن يشأ يجعل . وتقول : من كان إلي منه إحسان كان إليه مني مثله ، أي من يكن منه إلي إحسان يكن إليه مني مثله . والمهد قيل : كان سريرا كالمهد وقيل المهد هاهنا حجر الأم . وقيل : المعنى كيف نكلم من كان سبيله أن ينوم في المهد لصغره ،