تفسير القرطبي

تفسير الآية رقم 3 من سورة مريم

قوله تعالى : إذ نادى ربه نداء خفيا مثل قوله : ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين وقد تقدم . والنداء الدعاء والرغبة ؛ أي ناجى ربه بذلك في محرابه . دليله قوله : فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب فبين أنه استجاب له في صلاته ، كما نادى في الصلاة . واختلف في إخفائه هذا النداء ؛ فقيل : أخفاه من قومه لئلا يلام على مسألة الولد عند كبر السن ؛ ولأنه أمر دنيوي ، فإن أجيب فيه نال بغيته ، وإن لم يجب لم يعرف بذلك أحد .
وقيل : مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا الله تعالى . وقيل : لما كانت الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء أخفاه . وقيل : خفيا سرا من قومه في جوف الليل ؛ والكل محتمل والأول أظهر ؛ والله أعلم .
وقد تقدم أن المستحب من الدعاء الإخفاء في سورة ( الأعراف ) وهذه الآية نص في ذلك ؛ لأنه سبحانه أثنى بذلك على زكريا . وروى إسماعيل قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أسامة بن زيد عن محمد بن عبد الرحمن ، وهو ابن أبي كبشة عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي وهذا عام . قال يونس بن عبيد : كان الحسن يرى أن يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع صوت ، وتلا يونس إذ نادى ربه نداء خفيا . قال ابن العربي : وقد أسر مالك القنوت وجهر به الشافعي ، والجهر به أفضل ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو به جهرا .