تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 40 من سورة طه
إذ تمشي أختك العامل في إذ تمشي ألقيت أو ( تصنع ) . ويجوز أن يكون بدلا من إذ أوحينا وأخته اسمها مريم فتقول هل أدلكم على من يكفله وذلك أنها خرجت متعرفة خبره ، وكان موسى لما وهبه فرعون من امرأته طلبت له المراضع ، وكان لا يأخذ من أحد حتى أقبلت أخته ، فأخذته ووضعته في حجرها وناولته ثديها فمصه وفرح به . فقالوا لها : تقيمين عندنا ؛ فقالت : إنه لا لبن لي ولكن أدلكم على من يكفله وهم له ناصحون . قالوا : ومن هي ؟ . قالت : أمي . فقالوا : لها لبن ؟ قالت : لبن أخي هارون . وكان هارون أكبر من موسى بسنة . وقيل بثلاث . وقيل بأربع . وذلك أن فرعون رحم بني إسرائيل فرفع عنهم القتل أربع سنين ، فولد هارون فيها ؛ قال ابن عباس : فجاءت الأم فقبل ثديها .
فرجعناك إلى أمك وفى مصحف أبي ( فرددناك ) كي تقر عينها وروى عبد الحميد عن ابن عامر ( كي تقر عينها ) بكسر القاف . قال الجوهري : وقررت به عينا وقررت به قرة وقرورا فيهما . ورجل قرير العين ؛ وقد قرت عينه تقر وتقر نقيض سخنت . وأقر الله عينه أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن . وللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة . وقد تقدم هذا المعنى في ( مريم ) .
ولا تحزن أي على فقدك . وقتلت نفسا قال ابن عباس : قتل قبطيا كافرا . قال كعب : وكان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة . في صحيح مسلم : وكان قتله خطأ ؛ على ما يأتي فنجيناك من الغم أي آمناك من الخوف والقتل والحبس . وفتناك فتونا أي اختبرناك اختبارا حتى صلحت للرسالة ، وقال قتادة : بلوناك بلاء . مجاهد : أخلصناك إخلاصا . وقال ابن عباس : اختبرناك بأشياء قبل الرسالة ، أولها حملته أمه في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في اليم ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره بلحية فرعون ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم قتله القبطي وخروجه خائفا يترقب ، ثم رعايته الغنم ليتدرب بها على رعاية الخلق . فيقال : إنه ند له من الغنم جدي فاتبعه أكثر النهار ، وأتعبه ، ثم أخذه فقبله وضمه إلى صدره ، وقال له : أتعبتني وأتعبت نفسك ؛ ولم يغضب عليه . قال وهب بن منبه : ولهذا اتخذه الله كليما ؛ وقد مضى في ( النساء ) .
قوله تعالى : فلبثت سنين في أهل مدين يريد عشر سنين أتم الأجلين . وقال وهب : لبث عند شعيب ثماني وعشرين سنة ، منها عشرة مهر امرأته صفورا ابنة شعيب ، وثماني عشرة أقامها عنده حتى ولد له عنده . ثم جئت على قدر يا موسى قال ابن عباس وقتادة وعبد الرحمن بن كيسان : يريد موافقا للنبوة والرسالة ؛ لأن الأنبياء لا يبعثون إلا أبناء أربعين سنة . وقال مجاهد ومقاتل : على قدر على وعد . وقال محمد بن كعب : ثم جئت على القدر الذي قدرت لك أنك تجيء فيه . والمعنى واحد . أي جئت في الوقت الذي أردنا إرسالك فيه . وقال الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدر