تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 88 من سورة الأنبياء
قوله تعالى : وكذلك ننجي المؤمنين أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم . وذلك قوله : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون وهذا حفظ من الله - عز وجل - لعبده يونس رعى له حق تعبده ، وحفظ زمام ما سلف له من الطاعة . وقال الأستاذ أبو إسحاق : صحب ذو النون الحوت أياما قلائل فإلى يوم القيامة يقال له ذو النون ، فما ظنك بعبد عبده سبعين سنة يبطل هذا عنده ! لا يظن به ذلك . من الغم أي من بطن الحوت .
قوله تعالى : وكذلك ننجي المؤمنين قراءة العامة بنونين من أنجى ينجي . وقرأ ابن عامر ( نجي ) بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر أي وكذلك نجي النجاء المؤمنين ؛ كما تقول : ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا وأنشد [ للشاعر جرير ] :
ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا
أراد لسب السب بذلك الجرو . وسكنت ياؤه على لغة من يقول بقي ورضي فلا يحرك الياء . وقرأ الحسن ( وذروا ما بقي من الربا ) استثقالا لتحريك ياء قبلها كسرة . وأنشد :
خمر الشيب لمتي تخميرا وحدا بي إلى القبور البعيرا
ليت شعري إذا القيامة قامت ودعي بالحساب أين المصيرا
سكن الياء في دعي استثقالا لتحريكها وقبلها كسرة ، وفاعل حدا الشيب ؛ أي وحدا الشيب البعير ؛ ليت شعري المصير أين هو . هذا تأويل الفراء وأبي عبيد وثعلب في تصويب هذه القراءة . وخطأها أبو حاتم والزجاج وقالوا : هو لحن ؛ لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله ؛ وإنما يقال : نجي المؤمنون . كما يقال : كرم الصالحون . ولا يجوز ضرب زيدا بمعنى ضرب الضرب زيدا ؛ لأنه لا فائدة إذ كان ضرب يدل على الضرب . ولا يجوز أن يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله تعالى . ولأبي عبيد قول آخر - وقاله القتبي - وهو أنه أدغم النون في الجيم . النحاس : وهذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين ؛ لبعد مخرج النون من مخرج الجيم فلا تدغم فيها ، ولا يجوز في من جاء بالحسنة مجاء بالحسنة قال النحاس : ولم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان . قال : الأصل ننجي فحذف إحدى النونين ؛ لاجتماعهما كما تحذف إحدى التاءين ؛ لاجتماعهما نحو قوله - عز وجل - : ولا تفرقوا والأصل تتفرقوا . وقرأ محمد بن السميقع وأبو العالية ( وكذلك نجى المؤمنين ) أي نجى الله المؤمنين ؛ وهي حسنة .