تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 1 من سورة الفرقان
سورة الفرقان
مكية كلها في قول الجمهور . وقال ابن عباس وقتادة : إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة ، وهي : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله : وكان الله غفورا رحيما . وقال الضحاك : هي مدنية ، وفيها آيات مكية : قوله : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآيات .
ومقصود هذه السورة ذكر موضع عظم القرآن ، وذكر مطاعن الكفار في النبوة والرد على مقالاتهم وجهالاتهم ; فمن جملتها قولهم : إن القرآن افتراه محمد ، وإنه ليس من عند الله .
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا .
قوله تعالى : تبارك الذي نزل الفرقان تبارك اختلف في معناه ; فقال الفراء : هو في العربية و ( تقدس ) واحد ، وهما للعظمة . وقال الزجاج : تبارك تفاعل من البركة . قال : ومعنى البركة الكثرة من كل ذي خير . وقيل : تبارك تعالى . وقيل : تعالى عطاؤه ، أي زاد وكثر . وقيل : المعنى دام وثبت إنعامه . قال النحاس : وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق ; من برك الشيء إذا ثبت ; ومنه برك الجمل والطير على الماء ، أي دام وثبت . فأما القول الأول فمخلط ; لأن التقديس إنما هو من الطهارة وليس من ذا في شيء . قال الثعلبي : ويقال : تبارك الله ، ولا يقال : متبارك ولا مبارك ; لأنه ينتهى في أسمائه وصفاته إلى حيث ورد التوقيف . وقال الطرماح :
تباركت لا معط لشيء منعته وليس لما أعطيت يا رب مانع
وقال آخر :
تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
قلت : قد ذكر بعض العلماء في أسمائه الحسنى ( المبارك ) وذكرناه أيضا في كتابنا . فإن كان وقع اتفاق على أنه لا يقال فيسلم للإجماع . وإن كان وقع فيه اختلاف فكثير من الأسماء اختلف في عده ; كالدهر وغيره . وقد نبهنا على ذلك هنالك ، والحمد لله .
و الفرقان القرآن . وقيل : إنه اسم لكل منزل ; كما قال : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان . وفي تسميته فرقانا وجهان : أحدهما : لأنه فرق بين الحق والباطل ، والمؤمن والكافر . الثاني : لأن فيه بيان ما شرع من حلال وحرام ; حكاه النقاش . على عبده يريد محمدا صلى الله عليه وسلم . ليكون للعالمين نذيرا اسم ( يكون ) فيها مضمر يعود على عبده وهو أولى لأنه أقرب إليه . ويجوز أن يكون يعود على الفرقان . وقرأ عبد الله بن الزبير : ( على عباده ) . ويقال : أنذر : إذا خوف ; وقد تقدم في أول ( البقرة ) . والنذير : المحذر من الهلاك . الجوهري : والنذير المنذر ، والنذير الإنذار . والمراد ب ( العالمين ) هنا الإنس والجن ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان رسولا إليهما ، ونذيرا لهما ، وأنه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عام الرسالة إلا نوح فإنه عم برسالته جميع الإنس بعد الطوفان ، لأنه بدأ به الخلق .