تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 18 من سورة القصص
قوله تعالى : فأصبح في المدينة خائفا قد تقدم في ( طه ) وغيرها أن الأنبياء صلوات الله عليهم يخافون ; ردا على من قال غير ذلك ، وأن الخوف لا ينافي المعرفة بالله ولا التوكل عليه فقيل : أصبح خائفا من قتل النفس أن يؤخذ بها ، وقيل : خائفا من قومه أن يسلموه . وقيل : خائفا من الله تعالى . ( يترقب ) قال سعيد بن جبير : يتلفت من الخوف وقيل : ينتظر الطلب ، وينتظر ما يتحدث به الناس . وقال قتادة : ( يترقب ) أي يترقب الطلب . وقيل : خرج يستخبر الخبر ولم يكن أحد علم بقتل القبطي غير الإسرائيلي و ( أصبح ) يحتمل أن يكون بمعنى ( صار ) أي لما قتل صار خائفا ويحتمل أن يكون دخل في الصباح ، أي في صباح اليوم الذي يلي يومه و ( خائفا ) منصوب على أنه خبر ( أصبح ) وإن شئت على الحال ، ويكون الظرف في موضع الخبر . فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي خلصه بالأمس يقاتل قبطيا آخر أراد أن يسخره ، والاستصراخ : الاستغاثة ، وهو من الصراخ ، وذلك لأن المستغيث يصرخ ويصوت في طلب الغوث قال :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
قيل : كان هذا الإسرائيلي المستنصر السامري استسخره طباخ فرعون في حمل الحطب إلى المطبخ ; ذكره القشيري و ( الذي ) رفع بالابتداء و ( يستصرخه ) في موضع الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال . و ( أمس ) لليوم الذي قبل يومك ، وهو مبني على الكسر لالتقاء الساكنين فإذا دخله الألف واللام أو الإضافة تمكن فأعرب بالرفع والفتح عند أكثر النحويين ومنهم من يبنيه وفيه الألف واللام . وحكى سيبويه وغيره أن من العرب من يجري ( أمس ) مجرى ما لا ينصرف في موضع الرفع خاصة ، وربما اضطر الشاعر ففعل هذا في الخفض والنصب وقال الشاعر :
لقد رأيت عجبا مذ أمس
فخفض ب ( مذ ) ما مضى ، واللغة الجيدة : الرفع ، فأجري ( أمس ) في الخفض مجراه في الرفع على اللغة الثانية . قال له موسى إنك لغوي مبين والغوي الخائب ، أي لأنك تشاد من لا تطيقه ، وقيل : مضل بين الضلالة ; قتلت بسببك أمس رجلا ، وتدعوني اليوم لآخر . والغوي ( فعيل ) من : أغوى يغوي ، وهو بمعنى : مغو ; وهو كالوجيع والأليم بمعنى الموجع والمؤلم . وقيل : الغوي بمعنى الغاوي أي إنك لغوي في قتال من لا تطيق دفع شره عنك ، وقال الحسن : إنما قال للقبطي : إنك لغوي مبين في استسخار هذا الإسرائيلي ،