تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 45 من سورة آل عمران
قوله تعالى : إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين
دليل على نبوتها كما تقدم . " وإذ " متعلقة ب يختصمون . ويجوز أن تكون متعلقة بقوله : وما كنت لديهم .
بكلمة منه وقرأ أبو السمان بكلمة منه وقد تقدم اسمه المسيح ولم يقل اسمها لأن معنى كلمة معنى ولد . والمسيح لقب لعيسى ومعناه الصديق ; قاله إبراهيم النخعي . وهو فيما يقال معرب وأصله الشين وهو مشترك . وقال ابن فارس : والمسيح العرق ، والمسيح الصديق ، والمسيح الدرهم الأطلس لا نقش فيه والمسح الجماع ; يقال مسحها . والأمسح : المكان الأملس . والمسحاء المرأة الرسحاء التي لا إست لها . وبفلان مسحة من جمال . والمسائح قسي جياد ، واحدتها مسيحة . قال :
لها مسائح زور في مراكضها لين وليس بها وهن ولا رقق
واختلف في المسيح ابن مريم مما ذا أخذ ; فقيل : لأنه مسح الأرض ، أي ذهب فيها فلم يستكن بكن . وروي عن ابن عباس أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ ; فكأنه سمي مسيحا لذلك ، فهو على هذا فعيل بمعنى فاعل . وقيل : لأنه ممسوح بدهن البركة ، كانت الأنبياء تمسح به ، طيب الرائحة ; فإذا مسح به علم أنه نبي . وقيل : لأنه كان ممسوح الأخمصين . وقيل : لأن الجمال مسحه ، أي أصابه وظهر عليه . وقيل : إنما سمي بذلك لأنه مسح بالطهر من الذنوب . وقال أبو الهيثم : المسيح ضد المسيخ ; يقال : مسحه الله أي خلقه خلقا حسنا مباركا ، ومسخه أي خلقه خلقا ملعونا قبيحا . وقالابن الأعرابي : المسيح الصديق ، والمسيخ الأعور ، وبه سمي الدجال . وقال أبو عبيد : المسيح أصله بالعبرانية مشيحا بالشين فعرب كما عرب موشى بموسى . وأما الدجال فسمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين . وقد قيل في الدجال مسيح بكسر الميم وشد السين . وبعضهم يقول كذلك بالخاء المنقوطة . وبعضهم يقول مسيخ بفتح الميم وبالخاء والتخفيف ; والأول أشهر . وعليه الأكثر . سمي به لأنه يسيح في الأرض أي يطوفها ويدخل جميع بلدانها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس ; فهو فعيل بمعنى فاعل ، فالدجال يمسح الأرض محنة ، وابن مريم يمسحها منحة . وعلى أنه ممسوح العين فعيل بمعنى مفعول . وقال الشاعر :
إن المسيح يقتل المسيخا
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة الحديث . ووقع في حديث عبد الله بن عمرو ( إلا الكعبة وبيت المقدس ) ذكره أبو جعفر الطبري . وزاد أبو جعفر الطحاوي ( ومسجد الطور ) ; رواه من حديث جنادة بن أبي أمية عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس . وذكر الحديث . وفي صحيح مسلم : فبينا هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله الحديث بطوله . وقد قيل : إن المسيح اسم لعيسى غير مشتق سماه الله به . فعلى هذا يكون عيسى بدلا من المسيح من البدل الذي هو هو . وعيسى اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف وإن جعلته عربيا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة ; لأن فيه ألف تأنيث . ويكون مشتقا من عاسه يعوسه إذا ساسه وقام عليه .
وجيها أي شريفا ذا جاه وقدر ، وانتصب على الحال ; قاله الأخفش . ومن المقربين عند الله تعالى وهو معطوف على وجيها أي ومقربا ; قاله الأخفش . وجمع وجيه وجهاء ووجهاء .