تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 18 من سورة فاطر
تقدم الكلام فيه ، وهو مقطوع مما قبله . والأصل ( توزر ) حذفت الواو اتباعا ليزر . ( وازرة ) نعت لمحذوف ، أي نفس وازرة . وكذا وإن تدع مثقلة إلى حملها قال الفراء : أي نفس مثقلة أو دابة . قال : وهذا يقع للمذكر والمؤنث . قال الأخفش : أي وإن تدع مثقلة إنسانا إلى حملها وهو ذنوبها . والحمل ما كان على الظهر ، والحمل حمل المرأة وحمل النخلة ; حكاهما الكسائي بالفتح لا غير . وحكى ابن السكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر . لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى التقدير على قول الأخفش : ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى . وأجاز الفراء ولو كان ذو قربى . وهذا جائز عند سيبويه ، ومثله وإن كان ذو عسرة فتكون كان بمعنى وقع ، أو يكون الخبر محذوفا ; أي وإن كان فيمن تطالبون ذو عسرة . وحكى سيبويه : الناس مجزيون بأعمالهم إن خير فخير ; على هذا . وخيرا فخير ; على الأول .
وروي عن عكرمة أنه قال : بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له : ألم أكن قد أسديت إليك يدا ، ألم أكن قد أحسنت إليك ؟ فيقول بلى . فيقول : انفعني ; فلا يزال المسلم يسأل الله تعالى حتى ينقص من عذابه . وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول : ألم أكن بك بارا ، وعليك مشفقا ، وإليك محسنا ، وأنت ترى ما أنا فيه ، فهب لي حسنة من حسناتك ، أو احمل عني سيئة ; فيقول : إن الذي سألتني يسير ; ولكني أخاف مثل ما تخاف . وأن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحوا من هذا . وأن الرجل ليقول لزوجته : ألم أكن أحسن العشرة لك ، فاحملي عني خطيئة لعلي أنجو ; فتقول : إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه . ثم تلا عكرمة : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى . وقال الفضيل بن عياض : هي المرأة تلقى ولدها فتقول : يا ولدي ، ألم يكن بطني لك وعاء ، ألم يكن ثديي لك سقاء ، ألم يكن حجري لك وطاء ; يقول : بلى يا أماه ; فتقول : يا بني ، قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنبا واحدا ; فيقول : إليك عني يا أماه ، فإني بذنبي عنك مشغول .
قوله تعالى : إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى ، وهو كقوله تعالى : إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب .
قوله تعالى : ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه . وقرئ : ( ومن ازكى فإنما يزكى لنفسه ) . وإلى الله المصير أي إليه مرجع جميع الخلق .