تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 99 من سورة الصافات
هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة . وأول من فعل ذلك إبراهيم - عليه السلام - ، وذلك حين خلصه الله من النار قال إني ذاهب إلى ربي أي : مهاجر من بلد قومي ومولدي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي فإنه سيهدين فيما نويت إلى الصواب . قال مقاتل : هو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة ، إلى الأرض المقدسة وهي أرض الشام . وقيل : ذاهب بعملي وعبادتي ، وقلبي ونيتي . فعلى هذا ذهابه بالعمل لا بالبدن . وقد مضى بيان هذا في [ الكهف ] مستوفى . وعلى الأول بالمهاجرة إلى الشام وبيت المقدس . وقيل : خرج إلى حران فأقام بها مدة . ثم قيل : قال ذلك لمن فارقه من قومه ، فيكون ذلك توبيخا لهم . وقيل : قاله لمن هاجر معه من أهله ، فيكون ذلك منه ترغيبا . وقيل : قال هذا قبل إلقائه في النار . وفيه على هذا القول تأويلان : أحدهما : إني ذاهب إلى ما قضاه علي ربي . الثاني : إني ميت ، كما يقال لمن مات : قد ذهب إلى الله تعالى ; لأنه - عليه السلام - تصور أنه يموت بإلقائه في النار ، على المعهود من حالها في تلف ما يلقى فيها ، إلى أن قيل لها : كوني بردا وسلاما فحينئذ سلم إبراهيم منها . وفي قوله : سيهدين على هذا القول تأويلان : أحدهما سيهدين إلى الخلاص منها . الثاني : إلى الجنة . وقال سليمان بن صرد وهو ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما أرادوا إلقاء إبراهيم في النار جعلوا يجمعون له الحطب ، فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها وتقول : أذهب به إلى هذا الذي يذكر آلهتنا ، فلما ذهب به ليطرح في النار قال إني ذاهب إلى ربي . فلما طرح في النار قال : حسبي الله ونعم الوكيل فقال الله تعالى : يا نار كوني بردا وسلاما فقال أبو لوط وكان ابن عمه : إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني . فأرسل الله عنقا من النار فأحرقه .