تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 16 من سورة غافر
يوم هم بارزون يكون بدلا من " يوم " الأول . وقيل : هم في موضع رفع بالابتداء و " بارزون " خبره ، والجملة في موضع خفض بالإضافة ، فلذلك حذف التنوين من " يوم " وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ ، تقول لقيتك يوم زيد أمير . فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير . ومعنى : بارزون خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ; لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في [ طه ] بيانه .
لا يخفى على الله منهم شيء قيل : إن هذا هو العامل في " يوم هم بارزون " أي : لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم يوم هم بارزون .
لمن الملك اليوم وذلك عند فناء الخلق . وقال الحسن : هو السائل تعالى وهو المجيب ; لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول : لله الواحد القهار . النحاس : وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال : ( يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله - جل وعز - عليها ، فيؤمر مناد ينادي : لمن الملك اليوم ؟ فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم : لله الواحد القهار ، فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا . فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد ; لأنه لا فائدة فيه ، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل .
قلت : والقول الأول ظاهر جدا ; لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه ، وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء : أنا الملك أين ملوك الأرض كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر ، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون . وعنه قوله سبحانه : لمن الملك اليوم هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر . قال محمد بن كعب قوله سبحانه : لمن الملك اليوم يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول : لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد ; لأن الخلق أموات ، فيجيب نفسه فيقول : لله الواحد القهار لأنه بقي وحده وقهر خلقه . وقيل : إنه ينادي مناد فيقول : لمن الملك اليوم فيجيبه أهل الجنة : لله الواحد القهار فالله أعلم . ذكره الزمخشري .