تفسير القرطبي

تفسير الآية رقم 102 من سورة المائدة

قوله تعالى : قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد سألوا آيات مثلها ، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها ، وقالوا : ليست من عند الله ; وذلك كسؤال قوم صالح الناقة ، وأصحاب عيسى المائدة ; وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من الأمم ، والله أعلم .
إن قال قائل : ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهي عنه ، يعارضه قوله تعالى : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فالجواب ; أن هذا الذي أمر الله به عباده هو ما تقرر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به ، والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبد الله عباده به ; ولم يذكره في كتابه . والله أعلم .
روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته . قال القشيري أبو نصر : ولو لم يسأل العجلاني عن الزنى لما ثبت اللعان . قال أبو الفرج الجوزي : هذا محمول على من سأل عن الشيء عنتا وعبثا فعوقب بسوء قصده بتحريم ما سأل عنه ; والتحريم يعم .
قال علماؤنا : لا تعلق للقدرية بهذا الحديث في أن الله تعالى يفعل شيئا من أجل شيء وبسببه ، تعالى الله عن ذلك ; فإن الله على كل شيء قدير ، وهو بكل شيء عليم ; بل السبب والداعي فعل من أفعاله ، لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم الشيء المسئول عنه إذا وقع السؤال فيه ; لا أن السؤال موجب للتحريم ، وعلة له ، ومثله كثير لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .