تفسير القرطبي

تفسير الآية رقم 55 من سورة القمر

في مقعد صدق أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة عند مليك مقتدر أي يقدر على ما يشاء . و " عند " هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة . قال الصادق : مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق . وقرأ عثمان البتي " في مقاعد صدق " بالجمع ; والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها . قال عبد الله بن بريدة : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى ، فيقرءون القرآن على ربهم تبارك وتعالى ، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه ، على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم ، فلا تقر أعينهم بشيء قط كما تقر بذلك ، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى منازلهم ، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد . وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان : بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون : يا أولياء الله انطلقوا ; فيقولون : إلى أين ؟ فيقولون : إلى الجنة ; فيقول المؤمنون : إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا . فيقولون : فما بغيتكم ؟ فيقولون : مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى ; ففي الخبر : أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب ، فيقولون للملائكة : إلى أين تحملوننا ؟ فيقولون إلى الجنة . فيقولون : إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا ; فيقولون : وما بغيتكم ؟ فيقولون : المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، والله أعلم .
تم تفسير سورة ( القمر ) والحمد لله .