تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 6 من سورة القلم
بأيكم المفتون الباء زائدة ; أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . أي الذي فتن بالجنون ; كقوله تعالى : تنبت بالدهن و يشرب بها عباد الله . وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش . وقال الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقيل : الباء ليست بزائدة ; والمعنى : بأيكم المفتون أي الفتنة . وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون معناه الفتون ; كما قالوا : ما لفلان مجلود ولا معقول ; أي عقل ولا جلادة . وقاله الحسن والضحاك وابن عباس . وقال الراعي :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا . وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف ; والمعنى : بأيكم فتنة المفتون . وقال الفراء : الباء بمعنى في ; أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ; أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى . والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان . وقيل : المفتون المعذب . من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته . ومنه قوله تعالى : يوم هم على النار يفتنون أي يعذبون . ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . وقيل : المفتون هو الشيطان ; لأنه مفتون في دينه . وكانوا يقولون : إن به شيطانا ، وعنوا بالمجنون هذا ; فقال الله تعالى : فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ; أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .