تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 2 من سورة المعارج
للكافرين أي على الكافرين . وهو النضر بن الحارث حيث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزل سؤاله ، وقتل يوم بدر صبرا هو وعقبة بن أبي معيط ; لم يقتل صبرا غيرهما ; قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري . وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه : " من كنت مولاه فعلي مولاه " ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ، ونزكي أموالنا فقبلناه منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا ! أفهذا شيء منك أم من الله ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله " . فولى الحارث وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله ; فنزلت : سأل سائل بعذاب واقع الآية . وقيل : إن السائل هنا أبو جهل وهو القائل لذلك ، قاله الربيع . وقيل : إنه قول جماعة من كفار قريش . وقيل : هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين . وقيل : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم أي دعا عليه السلام بالعقاب وطلب أن يوقعه الله بالكفار ; وهو واقع بهم لا محالة . وامتد الكلام إلى قوله تعالى : فاصبر صبرا جميلا أي لا تستعجل فإنه قريب . وإذا كانت الباء بمعنى عن - وهو قول قتادة - فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع . قال الله تعالى : فاسأل به خبيرا أي سل عنه . وقال علقمة :
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء . ويقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون فقال الله : للكافرين . قال أبو علي وغيره : وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما . وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر ; فيكون التقدير : سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب . ومن قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما : أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش ; تقول العرب : سال يسال ; مثل نال ينال وخاف يخاف . والثاني : أن يكون من السيلان ; ويؤيده قراءة ابن عباس " سال سيل " . قال عبد الرحمن بن زيد : سال واد من أودية جهنم يقال له : سائل ; وهو قول زيد بن ثابت . قال الثعلبي : والأول أحسن ; كقول الأعشى في تخفيف الهمزة :
سالتاني الطلاق إذ رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
وفي الصحاح : قال الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وقد تخفف همزته فيقال : سال يسال . وقال :
ومرهق سال إمتاعا بأصدته لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
المرهق : الذي أدرك ليقتل . والأصدة بالضم : قميص صغير يلبس تحت الثوب . المهدوي : من قرأ " سال " جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا ، وهو البدل على غير قياس . وجاز أن تكون الألف منقلبة عن واو على لغة من قال : سلت أسال ; كخفت أخاف . النحاس : حكى سيبويه سلت أسال ; مثل خفت أخاف ; بمعنى سألت . وأنشد :
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
ويقال : هما يتساولان . المهدوي : وجاز أن تكون مبدلة من ياء ، من سال يسيل . ويكون سايل واديا في جهنم ; فهمزة سايل على القول الأول أصلية ، وعلى الثاني بدل من واو ، وعلى الثالث بدل من ياء . القشيري : وسائل مهموز ; لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ، وإن كان من غير الهمز كان مهموزا أيضا ; نحو قائل وخائف ; لأن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا . ولم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس ، فكان بالقلب إلى الهمزة ، ولك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين . " واقع " أي يقع بالكفار ، بين أنه من الله ذي المعارج .