تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 3 من سورة الجن
قوله تعالى : وأنه تعالى جد ربنا كان علقمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وابن عامر وخلف وحفص والسلمي ينصبون أن في جميع السورة في اثني عشر موضعا ، وهو : أنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول ، وأنا ظننا ، وأنه كان رجال ، وأنهم ظنوا ، وأنا لمسنا السماء ، وأنا كنا نقعد ، وأنا لا ندري ، وأنا منا الصالحون وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ، وأنا لما سمعنا الهدى ، وأنا منا المسلمون عطفا على قوله : أنه استمع نفر ، وأنه استمع لا يجوز فيه إلا الفتح ; لأنها في موضع اسم فاعل أوحي فما بعده معطوف عليه . وقيل : هو محمول على الهاء في آمنا به ، أي وب " أنه تعالى جد ربنا " وجاز ذلك وهو مضمر مجرور لكثرة حرف الجر مع أن .
وقيل : المعنى أي وصدقنا أنه جد ربنا ، وقرأ الباقون كلها بالكسر وهو الصواب ، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم عطفا على قوله : فقالوا إنا سمعنا لأنه كله من كلام الجن . وأما أبو جعفر وشيبة فإنهما فتحا ثلاثة مواضع ; وهي قوله تعالى : وأنه تعالى جد ربنا ، وأنه كان يقول ، وأنه كان رجال ، قالا : لأنه من الوحي ، وكسرا ما بقي ; لأنه من كلام الجن . وأما قوله تعالى : وأنه لما قام عبد الله . فكلهم فتحوا إلا نافعا وشيبة وزر بن حبيش وأبا بكر والمفضل عن عاصم ، فإنهم كسروا لا غير . ولا خلاف في فتح همزة أنه استمع نفر من الجن ، وأن لو استقاموا وأن المساجد لله و أن قد أبلغوا . وكذلك لا خلاف في كسر ما بعد القول ; نحو قوله تعالى : فقالوا إنا سمعنا و ( قال إنما أدعو ربي ) و قل إن أدري و قل إني لا أملك وكذلك لا خلاف في كسر ما كان بعد فاء الجزاء ; نحو قوله تعالى : فإن له نار جهنم و فإنه يسلك من بين يديه لأنه موضع ابتداء .
وأنه تعالى جد ربنا الجد في اللغة : العظمة والجلال ; ومنه قول أنس : كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا ; أي عظم وجل . فمعنى : جد ربنا أي عظمته وجلاله ; قال عكرمة ومجاهد وقتادة . وعن مجاهد أيضا : ذكره . وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضا : غناه . ومنه قيل للحظ جد ، ورجل مجدود أي محظوظ ; وفي الحديث : ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال أبو عبيدة والخليل : أي ذا الغنى ، منك الغنى ، إنما تنفعه الطاعة . وقال ابن عباس : قدرته . الضحاك : فعله . وقال القرظي والضحاك أيضا : آلاؤه ونعمه على خلقه . وقال أبو عبيدة والأخفش ملكه وسلطانه . وقال السدي : أمره . وقال سعيد بن جبير : وأنه تعالى جد ربنا أي تعالى ربنا . وقيل : إنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أب الأب ، ويكون هذا من قول الجن .
وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع : ليس لله تعالى جد ، وإنما قالته الجن للجهالة ، فلم يؤاخذوا به . وقال القشيري : ويجوز إطلاق لفظ الجد في حق الله تعالى ; إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن ، غير أنه لفظ موهم ، فتجنبه أولى . وقراءة عكرمة ( جد ) بكسر الجيم : على ضد الهزل . وكذلك قرأ أبو حيوة ومحمد بن السميقع . ويروى عن ابن السميقع أيضا وأبي الأشهب ( جدا ربنا ) ، وهو الجدوى والمنفعة . وقرأ عكرمة أيضا ( جدا ) بالتنوين ( ربنا ) بالرفع على أنه مرفوع ، ب ( تعالى ) ، و ( جدا ) منصوب على التمييز . وعن عكرمة أيضا ( جد ) بالتنوين والرفع ( ربنا ) بالرفع على تقدير : تعالى جد جد ربنا ; فجد الثاني بدل من الأول وحذف وأقيم المضاف إليه مقامه . ومعنى الآية : وأنه تعالى جلال ربنا أن يتخذ صاحبة وولدا للاستئناس بهما والحاجة إليهما ، والرب يتعالى عن الأنداد والنظراء .