تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 11 من سورة يونس

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرّ ، وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال ، (استعجالهم بالخير) ، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به ، (لقضي إليهم أجلهم)، يقول: لهلكوا ، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل. (21)
* * *
وعني بقوله: (لقضي) ، لفرغ إليهم من أجلهم ، (22) ونُبذ إليهم، (23) كما قال أبو ذؤيب:
وَعَلَيْهِمَــا مَسْــرُودَتَانِ قَضَاهُمَــا
دَاوُدُ , أَوْ صَنَــعُ السَّــوَابِغِ تُبَّــعُ (24)
* * *
، (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا)، يقول:
فندع الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، (25) ، (في طغيانهم) ، يقول: في تمرّدهم وعتوّهم، (26) (يعمهون) يعني: يترددون. (27)
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم ، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم ، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرُّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17572- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قولُ الإنسان إذا غضب لولده وماله: " لا باركَ الله فيه ولعنه "!
17573- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: " اللهم لا تبارك فيه والعنه "! فلو يعجّل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم.
17574- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ، (لقضي إليهم أجلهم) قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته.
17575- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: " اللهم لا تبارك فيه والعنه "! قال الله: (لقضي إليهم أجلهم) ، قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) ، قال يقول: لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
17576- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
17577- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لقضي إليهم أجلهم) ، قال: لأهلكناهم. وقرأ: مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ، [سورة فاطر: 45] . قال: يهلكهم كلهم.
* * *
ونصب قوله : (استعجالهم) ، بوقوع (يعجل) عليه، كقول القائل: " قمت اليوم قيامَك " بمعنى : قمت كقيامك، وليس بمصدّرٍ من (يعجل)، لأنه لو كان مصدّرًا لم يحسن دخول " الكاف " ، أعني كاف التشبيه ، فيه. (28)
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله: (لقضي إليهم أجلهم) .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: ( لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ )، على وجه ما لم يسمَّ فاعله ، بضم القاف من " قضي"، ورفع " الأجل ".
* * *
وقرأ عامة أهل الشأم: ( لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ ) ، بمعنى: لقضى الله إليهم أجلهم.
* * *
قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسمَّ فاعله، لأن عليه أكثر القراء.
---------------------
الهوامش :
(21) انظر تفسير " الأجل " فيما سلف 13 : 290 ، تعليق : 6 ، والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير " قضى " فيما سلف 13 : 290 ، تعليق : 6 ، والمراجع هناك .
(23) في المطبوعة : " وتبدى لهم " ، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته .
(24) سلف البيت وتخريجه وشرحه 2 : 542 .
(25) انظر تفسير " يذر " فيما سلف من فهارس اللغة ( وذر ) .
، وتفسير " الرجاء " فيما سلف ص : 26 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك .
(26) انظر تفسير " الطغيان " فيما سلف 13 : 291 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(27) انظر تفسير " العمه " فيما سلف 13 : 291 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(28) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 458 .