تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 92 من سورة يونس

القول في تأويل قوله تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لفرعون: اليوم نجعلك على نَجْوةٍ من الأرض ببدنك، ينظر إليك هالكًا من كذّب بهلاكك ، (لتكون لمن خلفك آية)، يقول: لمن بعدك من الناس عبرة يعتبرون بك، ، فينـزجرون عن معصية الله ، والكفر به والسعي في أرضه بالفساد.
، و " النجوة "، الموضع المرتفع على ما حوله من الأرض، ومنه قوله أوس بن حجر:
فَمَــنْ بِعَقْوَتِــهِ كَــمَنْ بِنجْوَتِــهِ
وَالمُسْــتَكِنُّ كَـمَنْ يَمْشِـي بِقِـرْوَاحِ (22)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر قال ذلك:
17868- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد وغيره قال: قالت بنو إسرائيل لموسى: إنه لم يمت فرعون! قال: فأخرجه الله إليهم ينظرون إليه مثل الثور الأحمر.
17869- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن سعيد الجريري، عن أبي السليل، عن قيس بن عباد قال ، وكان من أكثر الناس ، أو : أحدث الناس ، عن بنى إسرائيل؛ قال: فحدّثنا أن أول جنود فرعون لما انتهى إلى البحر ، هابت الخيلُ اللِّهْبَ . (23)
قال: ومثل لحصان منها فرس وَديق، (24) فوجد ريحها ، أحسبه أنا قال: ، فانسلَّ فاتَّبعته . قال: فلما تتامّ آخر جنود فرعون في البحر ، وخرج آخرُ بني إسرائيل ، أُمر البحر فانطَبق عليهم، فقالت بنو إسرائيل: ما مات فرعون، وما كان ليموت أبدًا! فسمع الله تكذيبهم نبيَّه، قال: فرمى به على الساحل كأنه ثور أحمرُ، يتراءاه بنو إسرائيل.
17870- حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شداد: (فاليوم ننجيك ببدنك) ، قال: " بدنه " ، جسده ، رمى به البحرُ.
17871- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،: (فاليوم ننجيك ببدنك) ، قال: بجسدك.
17872- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
17873- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
17874- حدثنا تميم بن المنتصر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال ، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما جاوز موسى البحرَ بجميع من معه، التقى البحرُ عليهم ، يعني على فرعون وقومه ، فأغرقهم، فقال أصحاب موسى: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق، ولا نؤمن بهلاكه! فدعا ربّه فأخرجه فنبذه البحر ، حتى استيقنوا بهلاكه.
17875- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) ، يقول: أنكر ذلك طوائف من بني إسرائيل، فقذفه الله على ساحل البحر ينظرون إليه.
17876- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (لتكون لمن خلفك آية) ، قال: لما أغرق الله فرعون لم تصدِّق طائفة من الناس بذلك، فأخرجه الله آيةً وعظةً.
17877- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن التيمي، عن أبيه، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، أو غيره، بنحو حديث ابن عبد الأعلى، عن معمر.
17878- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: (فاليوم ننجيك ببدنك) ، قال: بجسدك.
17879- قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، بلغني عن مجاهد: (فاليوم ننجيك ببدنك) ، قال: بجسدك. (25)
17880- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كذّب بعض بني إسرائيل بموت فرعون، فرمى به على ساحل البحر ليراه بنو إسرائيل، قال أحمر: كأنه ثور . (26)
* * *
وقال آخرون: تنجو بجسدك من البحر ، فنخرجه منه. (27)
*ذكر من قال ذلك:
17881- حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) ، يقول: أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر، فنظروا إليه بعد ما غرق.
* * *
فإن قال قائل: وما وجه قوله: (ببدنك)؟ وهل يجوز أن ينجيه بغير بدنه، فيحتاج الكلام إلى أن يقال فيه (ببدنك)؟
قيل: كان جائزًا أن ينجيه بهيئته حيًّا كما دخل البحر. فلما كان جائزًا ذلك قيل : (فاليوم ننجيك ببدنك) ، ليعلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح، ولكن ميّتًا.
* * *
وقوله: (وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا لغافلون)
، يقول تعالى ذكره: (وإن كثيرًا من الناس عن آياتنا) ، يعني: عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة والألوهة لنا خالصةٌ (28) ، (لغافلون) ، يقول: لساهون، لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. (29)
----------------------
الهوامش :
(22) ديوانه ، قصيدة : 4 ، بيت : 15 ، يصف السحاب والمطر بالشدة ، يغشي كل مكان وكل أحد . " عقوة الدار " ، ساحتها وما حولها . و" المستكن " ، الذي اختبأ في كن . و "القرواح " ، البارز الذي ليس يستره من السماء والشمس شيء .
(23) في المخطوطة : " اللهث " ، والذي في المطبوعة هو الصواب إلا أن ضبطه بكسر اللام وسكون الهاء . و " اللهب " المهواة بين الجبلين ، وهو الصدع الذي صدع في البحر ، وانظر قوله تعالى : {فكان كل فرق كالطود العظيم }.
(24) "فرس وديق "، مريدة للفحل تشتهيه ، انظر ما سلف ص : 190 ، تعليق : 2 .
(25) الأثر : 17879 - " محمد بن بكر بن عثمان البرساني " ، مضى مرارًا ، وروايته عن ابن جريج ، وفي المطبوعة : " محمد بن بكير " ، وهو خطأ ، لم يحسن قراءة المخطوطة .
(26) في المطبوعة : " قال : كأنه ثور أحمر " ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب محض .
(27) في المطبوعة : " فتخرج منه " ، وأثبت ما في المخطوطة .
(28) انظر تفسير " الآية " فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ) .
(29) انظر تفسير " الغفلة " فيما سلف ص : 80 ، ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .