تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 102 من سورة هود

القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكما أخذت، أيها الناس ، أهلَ هذه القرى التي اقتصصت عليك نبأ أهلها بما أخذتُهم به من العذاب، على خلافهم أمري ، وتكذيبهم رسلي ، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرَى وأهلها إذا أخذتهم بعقابي ، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله ، وإشراكهم به غيره ، وتكذيبهم رسله ، (إنَّ أخذه أليم) ، يقول: إن أخذ ربكم بالعقاب من أخذه ، (أليم) ، يقول: موجع ، (شديد) الإيجاع.
* * *
وهذا من الله تحذيرٌ لهذه الأمة ، (12) أن يسلكوا في معصيته طريق من قبلهم من الأمم الفاجرة، فيحل بهم ما حلَّ بهم من المثُلات، كما:-
18559- حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أبو معاوية، عن بريد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يُمْلي ، ورُبَّما ، قال: يمهل ، الظالمَ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتُه. ثم قرأ: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة). (13)
18560- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: إن الله حذّر هذه الأمة سطوتَه بقوله: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
* * *
وكان عاصم الجحدريّ يقرأ ذلك: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ)، (14) وذلك قراءة لا أستجيز القراءة بها لخلافها مصاحف المسلمين ، وما عليه قراء الأمصار.
-----------------------
الهوامش :
(12) في المطبوعة والمخطوطة : " وهذا أمر من الله تحذير . . . " ، والصواب حذف " أمر " ، كذلك فعلت .
(13) الأثر : 18559 - " بريد بن بردة " ، هو " بريد بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري " ، يروي جده " أبي بردة " ، ثقة ، روى له الجماعة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 2 / 1 / 140 ، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 426 .وقوله " : عن أبيه " ، يعني عن " أبي بردة بن أبي موسى الأشعري " ، وهو جده . وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه ( الفتح 8 : 267 ) ، ومسلم في صحيحه 15 : 137 ، وابن ماجة في سننه ص : 1332 ، رقم : 4018 ، والترمذي في كتاب التفسير . وإسناد البخاري ومسلم : " بريدة بن أبي بردة ، عن أبيه " ، وإسناد ابن ماجة " بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، عن أبي بردة " وعند الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية أيضًا ، وهو إسناد الطبري : بريد بن عبد الله ، عن أبي بردة . وقد ذكر الحافظ ابن حجر ذلك فقال : " كذا وقع لأبي ذر ، ووقع لغيره : " عن أبي بردة " بدل : " عن أبيه " ، وهو صواب ، لأن بريدًا ، هو ابن عبد الله بن أبي بردة ، فأبو بردة جده لا أبوه ، ولكن يجوز إطلاق الأب عليه مجازًا " ( الفتح 8 : 267 ) . وقال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح غريب ، وقد روى أبو أسامة عن بريد ، نحوه وقال : يعلى . حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، عن أبي أسامة ، عن بريد بن عبد الله ، عن جده أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه ، وقال : يملى ، ولم يشك فيه " .
وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة : " إن الله يملي ، وربما أمهل ، قال يمهل " ، زاد " أمهل " ، فحذفتها ، لأنها زيادة لا شك في خطئها .
" أملي له " أخره وأطال مدته . من " الملاوة " ، وهي المدة من الزمن .
(14) كان في المطبوعة : " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى " وفي المخطوطة : " وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى " ، والذي في المخطوطة ، هو نفس التلاوة ، ولذلك جعل الناشر " إذ " مكان " إذا " . ولكني لما رأيت أبا جعفر ذكر خلافه لمصاحف المسلمين وكان في المخطوطة : " إذا " قدرت أنه الذي أثبت ، وهي قراءة شاذة ، رويت عن عاصم الجحدري ، وعن نافع ( انظر القراءات الشاذة ، لابن خالويه : 61 ) . وقرأ عاصم وطلحة بن مصرف : ( وكَذَلِكَ أَخَذَ رَبُّكَ إِذْ أَخَذَ القُرَى ) وقرأ عاصم أيضا : ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّك إِذْ أَخَذَ الْقُرَى ) . فهي ثلاث قراءات عن عاصم الجحدري ، أثبت أشدها خلافا لمصاحف المسلمين ، وما عليه قرأة الأمصار .