تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 76 من سورة يوسف

القول في تأويل قوله تعالى : فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ففتش يوسف أوعيتهم ورحالهم، طالبًا بذلك صواعَ الملك , فبدأ في تفتيشه بأوعية إخوته من أبيه , فجعل يفتشها وعاء وِعاءً قبل وعاء أخيه من أبيه وأمه , فإنه أخّر تفتيشه , ثم فتش آخرها وعاء أخيه , فاستخرج الصُّواع من وعاء أخيه .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19559- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، ذكر لنا أنه كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر الله تأثمًا مما قذفهم به , حتى بقي أخوه , وكان أصغر القوم، قال: ما أرى هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى فاستبْرِهِ! (18) ألا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم (ثم استخرجها من وعاء أخيه).
19560- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة قال: (فاستخرجها من وعاء أخيه)، قال: كان كلما فتح متاعًا استغفر تائبًا مما صنع , حتى بلغ متاعَ الغلام , فقال: ما أظن هذا أخذ شيئًا! قالوا: بلى , فاستَبْره!
19561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد , عن أسباط , عن السدي قال، (فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه) ، فلما بقي رحل الغلام قال: ما كان هذا الغلام ليأخذه‍! قالوا: والله لا يترك حتى تنظر في رحله , لنذهب وقد طابت نفسك. فأدخلَ يده فاستخرجه من رحله. (19)
19562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما قال الرسول لهم: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ، قالوا: ما نعلمه فينَا ولا معنَا . قال: لستم ببارحين حتى أفتّش أمتعتكم، وأعْذِر في طلبها منكم! فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاءً يفتشها وينظر ما فيها , حتى مرّ على وعاء أخيه ففتشه , فاستخرجها منه , فأخذ برقبته , فانصرف به إلى يوسف . يقول الله: (كذلك كدنا ليوسف).
19563- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال: ذُكر لنا أنه كان كلما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثمًا , قد علم أين موضع الذي يَطْلُب! حتى إذا بقي أخوه، وعلم أن بغيته فيه، قال: لا أرى هذا الغلام أخذه , ولا أبالي أن لا أبحث متاعه ! قال إخوته: إنه أطيبُ لنفسك وأنفسنا أن تستبرئ متاعه أيضًا . فلما فتح متاعه استخرج بغيته منه، قال الله: (كذلك كدنا ليوسف).
* * *
واختلف أهل العربية في الهاء والألف اللتين في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) .
فقال بعض نحويي البصرة: هي من ذكر " الصواع ", قال: وأنّث وقد قال: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ، لأنه عنى " الصواع " . قال، و " الصواع "، مذكر , ومنهم من يؤنث " الصواع "، وعني ههنا " السقاية " , وهي مؤنثة . قال: وهما اسمان لواحد، مثل " الثوب " و " الملحفة "، مذكر ومؤنث لشيءٍ واحدٍ .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة في قوله: (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ، ذهب إلى تأنيث " السرقة ". قال: وإن يكن " الصواع " في معنى " الصاع " (20) فلعل هذا التأنيث من ذلك . قال، وإن شئت جعلته لتأنيث السقاية . قال: و " الصواع " ذكر , و " الصاع " يؤنث ويذكر , فمن أنثه قال، ثلاث أصوُع , مثل ثلاث أدور , ومن ذكره قال " أصواع " , مثل أبواب .
* * *
وقال آخر منهم: إنما أنّث " الصواع " حين أنث لأنه أريدت به " السقاية "، وذكّر حين ذكّر , لأنه أريد به " الصواع " . قال: وذلك مثل " الخوان " و " المائدة " , و " سنان الرمح " و " عاليته " , وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتمع فيه اسمان: أحدهما مذكر , والآخر مؤنث .
* * *
وقوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: هكذا صنعنا ليوسف، (21) حتى يخلص أخاه لأبيه وأمه من إخوته لأبيه , بإقرارٍ منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه في يديه، ويحول بينه وبينهم. وذلك أنهم قالوا، إذ قيل لهم: (ما جزاؤه إن كنتم كاذبين) : جزاءُ من سرق الصُّواع أن من وجد ذلك في رحله فهو مستَرَقٌّ به , وذلك كان حكمهم في دينهم . فكاد الله ليوسف كما وصف لنا حتى أخذ أخاه منهم , فصار عنده بحكمهم وصُنْعِ الله له .
* * *
وقوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان يوسف ليأخذ أخاه في حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم , لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك وقضائه أن يسترقّ أحد بالسَّرَق , فلم يكن ليوسف أخذ أخيه في حكم ملك أرضه، إلا أن يشاء الله بكيده الذي كاده له , حتى أسلم من وجد في وعائه الصواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم عليه، وطابت أنفسهم بالتسليم .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19564- حدثنا الحسن قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، إلا فعلة كادها الله له , فاعتلّ بها يوسف.
19565- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله .
19566- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (كذلك كدنا ليوسف) كادها الله له , فكانت علَّةً ليوسف.
19567- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد: (ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، قال: إلا فعلة كادها الله، فاعتلّ بها يوسف ، قال حدثني حجاج , عن ابن جريج قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، قال، صنعنا.
19568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف.
19569- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (كذلك كدنا ليوسف) ، يقول: صنعنا ليوسف
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) .
فقال بعضهم: ما كان ليأخذ أخاه في سلطان الملك .
*ذكر من قال ذلك:
19570- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
19571- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ , يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في سلطان الملك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: في حكمه وقضائه .
*ذكر من قال ذلك:
19572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) ، يقول: ما كان ذلك في قضاء الملك أن يستعبد رجلا بسرقة.
19573- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن قتادة: (في دين الملك) ، قال: لم يكن ذلك في دين الملك ، قال: حكمه.
19574- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح محمد بن ليث المروزي , عن رجل قد سماه , عن عبد الله بن المبارك , عن أبي مودود المديني قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ، (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: دين الملك لا يؤخذ به من سرق أصلا ولكن الله كاد لأخيه , حتى تكلموا ما تكلموا به , فأخذهم بقولهم , وليس في قضاء الملك. (22)
19575- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق , عن معمر قال: بلغه في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: كان حكم الملك أن من سَرَق ضوعف عليه الغُرْم.
19576- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، يقول: في حكم الملك.
19577- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) : ، أي: بظلم , ولكن الله كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه .
19578- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد , في قوله: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) ، قال: ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته . قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفاظ قائليها في معنى " دين الملك " , فمتقاربة المعاني , لأن من أخذه في سلطان الملك عامله بعمله , فبرضاه أخذه إذًا لا بغيره , (23) وذلك منه حكم عليه , وحكمه عليه قضاؤه .
* * *
وأصل " الدين "، الطاعة. وقد بينت ذلك في غير هذا الموضع بشواهده بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . (24)
* * *
وقوله: (إلا أن يشاء الله) كما:-
19579- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو , عن أسباط , عن السدي: (إلا أن يشاء الله) ، ولكن صنعنا له، بأنهم قالوا: فَهُوَ جَزَاؤُهُ .
19580- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: (إلا أن يشاء الله) إلا بعلة كادَها الله , فاعتلَّ بها يوسف.
* * *
وقوله: (نرفع درجات من نشاء) ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: " نَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ" بإضافة " الدرجات " إلى " من " بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره , كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنـزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم . (25)
* * *
وقرأ ذلك آخرون: ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ) بتنوين " الدرجات ", بمعني: نرفع من نشاء مراتب ودرجات في العلم على غيره , كما رفعنا يوسف . فـ" مَنْ" على هذه القراءة نصبٌ , وعلى القراءة الأولى خفض . وقد بينا ذلك في" سورة الأنعام " . (26)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19581- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريح قوله: (نرفع درجات من نشاء) ، يوسف وإخوته، أوتوا علمًا , فرفعنا يوسف فوقهم في العلم.
* * *
وقوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، يقول تعالى ذكره: وفوق كل عالم من هو أعلم منه، حتى ينتهي ذلك إلى الله . وإنما عنى بذلك أنّ يوسف أعلم إخوته , وأنّ فوق يوسف من هو أعلم من يوسف , حتى ينتهي ذلك إلى الله .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19582- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر العقدي قال، حدثنا سفيان , عن عبد الأعلى الثعلبي , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , أنه حدّث بحديث , فقال رجل عنده: (وفوق كل ذي علم عليم) ، فقال ابن عباس: بئسما قلت ! إن الله هو عليم , وهو فوق كل عالم.
19583- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن سفيان , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير قال: حدَّث ابن عباس بحديث , فقال رجل عنده: الحمد لله، (وفوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: العالم الله , وهو فوق كل عالم.
19584- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير قال: كنا عند ابن عباس , فحدث حديثًا , فتعجب رجل فقال، الحمد لله، (فوق كل ذي علم عليم) ! فقال ابن عباس: بئسما قلت: الله العليم , وهو فوق كل عالم.
19585- حدثنا الحسن بن محمد وابن وكيع قالا حدثنا عمرو بن محمد قال، أخبرنا إسرائيل , عن سالم , عن عكرمة , عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: يكون هذا أعلم من هذا , وهذا أعلم من هذا , والله فوق كل عالم.
19586- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا سعيد بن منصور قال، أخبرنا أبو الأحوص , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله الخبير العليم، فوق كل عالم.
19587- حدثني المثنى قال، حدثنا عبيد الله قال، أخبرنا إسرائيل , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله فوق كل عالم.
19588- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن أبي معشر , عن محمد بن كعب قال، سأل رجل عليًّا عن مسألة , فقال فيها , فقال الرجل: ليس هكذا ولكن كذا وكذا. قال عليٌّ: أصبتَ وأخطأتُ ، (وفوق كل ذي علم عليم).
19589- حدثني يعقوب، وابن وكيع قالا حدثنا ابن علية , عن خالد , عن عكرمة في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: علم الله فوق كل أحد.
19590- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير , عن نضر , عن عكرمة , عن ابن عباس: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال، الله عز وجل.
19591- حدثنا ابن وكيع , حدثنا يعلى بن عبيد , عن سفيان , عن عبد الأعلى , عن سعيد بن جبير: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: الله أعلم من كل أحد.
19592- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير , عن ابن شبرمة , عن الحسن , في قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله.
19593- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا عاصم قال، حدثنا جويرية , عن بشير الهجيمي قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية يومًا: (وفوق كل ذي علم عليم) , ثم وقف فقال: إنه والله ما أمسى على ظهر الأرض عالم إلا فوقه من هو أعلم منه , حتى يعود العلم إلى الذي علَّمه.
19594- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا علي , عن جرير , عن ابن شبرمة , عن الحسن: (وفوق كل ذي علم عليم) ، قال: فوق كل عالم عالم , حتى ينتهي العلم إلى الله.
19595- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد , عن قتادة , قوله: (وفوق كل ذي علم عليم) ، حتى ينتهي العلم إلى الله , منه بدئ , وتعلَّمت العلماء , وإليه يعود . في قراءة عبد الله: " وَفَوْقَ كُلِّ عَالِمٍ عَلِيمٌ".
* * *
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز ليوسف أن يجعل السقاية في رحل أخيه، ثم يُسَرِّق قومًا أبرياء من السّرَق (27) ويقول: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ؟
قيل: إن قوله: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ، إنما هو خبَرٌ من الله عن مؤذِّن أذَّن به , لا خبر عن يوسف . وجائز أن يكون المؤذِّن أذَّن بذلك إذ فَقَد الصُّواع (28) ولا يعلم بصنيع يوسف . وجائز أن يكون كان أذّن المؤذن بذلك عن أمر يوسف , واستجاز الأمر بالنداء بذلك، لعلمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سَرِقةً في بعض الأحوال , فأمر المؤذن أن يناديهم بوصفهم بالسَّرق , ويوسف يعني ذلك السَّرق لا سَرَقهم الصُّواع . وقد قال بعض أهل التأويل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف , فعاقبه الله بإجابة القوم إيّاه: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ، وقد ذكرنا الرواية فيما مضى بذلك . (29)
* * *
----------------------
الهوامش:
(18) " بلى" ، انظر استعمالها في غير جواب الجحد فيما سلف ، في التعليق على رقم : 16987 ، والمراجع هناك . وقوله" استبره" من" الاستبراء" سهلت همزتها ، وأصله : واستبرئه ، و" الاستبراء" طلب البراءة من الشيء ، ما كان تهمة أو عيبًا أو قادحًا .
(19) في المطبوعة :" فاستخرجها" ، وأثبت ما في المخطوطة .
(20) في المطبوعة :" وإن لم يكن الصواع" ، زاد" لم" فأفسد الكلام ، وإنما عنى أن" الصاع" يذكر ويؤنث ، فمن أجل ذلك أنث" الصواع" .
(21) انظر تفسير" الكيد" فيما سلف ص : 141 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(22) الأثر : 19574 -" محمد بن ليث المروزي" ،" أبو صالح" ، لم أجد له ترجمة في شيء من المراجع التي بين يدي .
و" أبو مودود المديني" هو" عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي" ، كان قاصًا لأهل المدينة ، كان من أهل النسك والفضل ، وكان متكلمًا يعظ ، ورأى أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة . ثقة ، مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 384 .
(23) في المطبوعة :" فيريناه أخذه إذا لم يغيره" ، وهو كلام مختل لا معنى له ، وهو في المخطوطة غير منقوط بعضه ، وصواب قراءته إن شاء الله ما أثبت ، وأساء الناسخ في كتابته ، لأنه لم يحسن القراءة عن الأم التي نقل منها ، فجعل" فبرضاه"" فيريناه" ، وجعل" لا" ،" لم" ، أما" بغيره" فهي غير منقوطة في المخطوطة .
(24) انظر تفسير" الدين" فيما سلف 3 : 571 / 6 : 273 ، 274 ، وغيرها من المواضع في فهارس اللغة ( دين ) .
(25) انظر تفسير" الدرجة" فيما سلف 14 : 173 ، تعليق : 6 ، والمراجع هناك .
(26) انظر ما سلف 11 : 505 .
(27) " يسرق" ، أي ينسبهم إلى السرقة ،" سرقة يسرقه" ( بتشديد الراء ) ، نسبه إلى ذلك .
(28) في المطبوعة والمخطوطة :" أن فقد الصواع" ، والصواب ما أثبت .
(29) انظر ما سلف رقم : 19559 - 19563 ، وذلك أنه كان يستغفر كلما فتش وعاء من أوعيتهم ، تأثمًا مما فعل . وعنى أبو جعفر أن يوسف كان يعلم أنه مخطئ في فعله . أما جواب إخوته له ، فلم يمض له ذكر فيما سلف .