تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 34 من سورة الكهف
القول في تأويل قوله تعالى: ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بضم الثاء والميم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهب وفضة، وقالوا: ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكثرة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة، وفي قول الله عزّ وجل: (بِثُمُرِهِ) قال: هي أيضا ذهب وفضة.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله (ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة. قال: وقوله: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ هي هي أيضا.
وقال آخرون: بل عُنِي به: المال الكثير من صنوف الأموال.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج ، عن هارون، عن سعيد بن أبي عِروبة، عن قتادة، قال: قرأها ابن عباس: " وكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بالضمّ، وقال: يعني أنواع المال.
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس: " وكانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: مال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: من كلّ المال.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال: الثمر من المال كله يعني الثمر، وغيره من المال كله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: " الثُّمُر " المال كله، قال: وكلّ مال إذا اجتمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله.
وقال آخرون: بل عُنِي به الأصل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" الثمر الأصل ، قال وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال : بأصله ، وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا ، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة " ثُمُرٌ" بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف ، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين : ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا ، والقصبة قَصبا.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ " بضمّ الثاء والميم لإجماع الحجة من القرّاء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب.
ومعنى الكلام: ( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ) منهما " ثُمُرٌ " بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه، قوله: ( جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) ثم قال: وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر.
------------------------
الهوامش:
(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 186 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) قال : وقد تفرد العرب إحدى " كلي " ( كتبها بالياء للإمالة ) . وهو من شواهد النحويين على أن " كلت " أصلها " كلتا " ، حذفت ألفها للضرورة ، وفتحة التاء دليل عليها ( خزانة الأدب للبغدادي 1 : 62 ) وقال : رأيت في حاشية الصحاح أن هذا البيت من رجز يصف به نعامة ، فضمير رجليها عائد على النعامة . والسلامي : على وزن حباري عظم في فرسن البعير ، وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل . والجمع : سلاميات والفرسن : بمنزلة الحافر للفرس . والضمير في كلتاهما للرجلين . ثم قال : استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه ، فإن المعنى على التثنية ، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني ، فتأمل . وقال أبو حبان في تذكرته : هذا البيت من اضطرار الشعراء ، وكلت ليس بواحد كلتا ، بل هو جاء بمعنى كلا ، غير أنه أسقط الألف اعتمادا على الكسرة التي قبلها على أنها تكفي من الألف الممالة إلى الياء ؛ وما من الكوفيين أحد يقول : كلت واحدة كلتا ، ولا يدعي أن لكلا وكلتا واحدا منفردا في النطق مستعملا ، فإن ادعاه عليه مدع فهو تشنيع وتفحيش من الخصوم على قول خصومهم . انتهى .
(13) البيت من أبيات تسعة لفرعون بن الأعراف في ابنه منازل ( الحماسة بشرح التبريزي 4 : 9 ) وأوله " تغمد حقي ظالما ولوى يدي " . وتغمد حقي ؛ ستره . وهو في معنى : " تظلمني مالي " ولوى يدي : أي فتلها وأزالها عن حالها وهيئتها . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 402 ) قال : " ولم تظلم منه شيئا " : ولم تنقص . ويقال : ظلمني فلان حقي ، أي نقصني وقال رجل لابنه : " تظلمني مالي كذا . . . إلخ " .
ورواية البيت في اللسان : " تظلم مالي هكذا . . . " البيت . ولم ينسبه . وقال قبله : وظلمه حقه ، وتظلمه إياه . يريد أنهما بمعنى .
: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) يقول عزّ وجلّ: فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه:
( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) يقول: وأعزّ عشيرة ورَهْطا، كما قال عُيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمان وخبَّابا وصُهيبا، احتقارا لهم، وتكبرا عليهم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وتلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزّة النفر.