تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 31 من سورة مريم

وقوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: وجعلني نفاعا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الرحمن بن حماد الطلحي، قال: ثنا العلاء، عن عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا ) قال: نفاعا.
وقال آخرون: كانت بركته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي، قال: سمعت وُهَيْب ابن ابن الورد مولى بني مخزوم، قال: لقي عالم عالما لما هو فوقه في العلم، قال له: يرحمك الله، ما الذي أعلن من علمي، قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده، وقد اجتمع الفقهاء على قول الله: ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) وقيل: ما بركته؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كان.
وقال آخرون معنى ذلك: جعلني معلم الخير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان في قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلما للخير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد ، قوله ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ) قال: معلمًا للخير حيثما كنت.
وقوله ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ ) يقول: وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعنى المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب; فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي.
وقوله ( مَا دُمْتُ حَيًّا ) يقول: ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال ، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت عليه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا.