تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 91 من سورة مريم

يقول تعالى ذكره: وتكاد الجبال أن تخرّ انقضاضا، لأن دعوا للرحمن ولدا. ف " أن " في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، لاتصالها بالفعل، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض ، وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقال (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) يعني بقوله: (أَنْ دَعَوْا) : أن جعلوا له ولدا، كما قال الشاعر:
ألا رُبَّ مَـنْ تَدْعُـو نَصِيحا وَإنْ تَغِب
تَجـدْهُ بغَيْـبٍ غـيرَ مُنْتَصِـحِ الصَّدْرِ (8)
وقال ابن أحمر:
أهْـوَى لَهَـا مِشْـقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَها
وكـنتُ أدْعُـو قَذَاهـا الإثمـدَ القَـرِدَا (9)
-----------------------------
الهوامش :
(8) انظر شرح هذا الشاهد مع شرح تاليه .
(9) ( 1 ) البيت في ( اللسان : دعا ) . ونسبه إلى ابن أحمر الباهلي . قال : ودعوته بزيد ، ودعوته إياه سميته به ، تعدى الفعل بعد إسقاط الحرف ؛ قال ابن أحمر الباهلي : " أهوى لها . . . " البيت . أي اسميه ، وأراد : أهوى لها بمشقص ، فحذف الحرف وأوصل وقوله عز وجل ( أن دعوا للرحمن ولدا ) : أي جعلوا ، وأنشد بيت ابن أحمر أيضا وقال : أي كنت أجعل وأسمي ؛ ومثله قول الشاعر : " ألا رب من تدعو تصيحا . . . البيت " . والمشقص من النصال : ما كان طويلا غير عريض ، فإذا كان عريضا فهو المعبلة ( اللسان : شقص ) . وسهم محشور وحشر : مستوى قذذ الريش ، وكل لطيف دقيق حشر . وشبرقها : مزقها ، يقال : ثوب مشبرق : مقطع ممزق . وفي كتاب ( المعاني الكبير لابن قتيبة طبع حيدر أباد ص 988 ) : يقول : كنت من إشفاتي عليها أسمي ما يصلحها قذى ، فكيف ما يؤذيها . وقوله " أدعو " أي أسمي ؛ تقول : ما تدعون هذا فيكم ؟ أي ما تسمونه ؟ والحشر : السهم الخفيف الريش الذي قد شد قصبه ورصافه . والإثمد : الكحل الأسود والقرد : هو الذي ينقطع في العين ؛ وقيل : القرد : الذي لصق بعضه ببعض . والمعنى : كنتم أسمي الإثمد قذى ، من حذري عليها .