تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 252 من سورة البقرة
القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " تلك آيات الله " (135) هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله : وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ .
ويعني بقوله : " آيات الله "، حججه وأعلامه وأدلته. (136) .
* * *
يقول الله تعالى ذكره: فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد، وأعلمتك= من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف، وإحيائي إياهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلة عددهم، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده، مع كثرة عددهم، وشدة بطشهم= (137) حججي على من جحد نعمتي، وخالف أمري، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفية، التي يعلمون أنها من عندي، (138) .
لم تتخرصها ولم تتقولها أنت يا محمد، لأنك أمي، ولست ممن قرأ الكتب، فيلتبس عليهم أمرك، ويدعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم= ولكنها حججي عليهم أتلوها عليك يا محمد، بالحق اليقين كما كان، لا زيادة فيه، ولا تحريف، ولا تغيير شيء منه عما كان=" وإنك " يا محمد " لمن المرسلين " ، يقول: إنك لمرسل متبع في طاعتي، وإيثار مرضاتي على هواك، فسالكٌ في ذلك من أمرك سبيل من قبلك من رسلي الذين أقاموا على أمري، وآثروا رضاي على هواهم، ولم تغيرهم الأهواء، ومطامع الدنيا، كما غير طالوت هواه، وإيثاره ملكه، على ما عندي لأهل ولايتي، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك.
* * *
---------------------------
الهوامش :
(135) انظر مجيء"ذلك"و"تلك" بمعنى : "هذا ، وهذه" ، فيما سلف 1 : 225 -227/ 3 : 335 .
(136) انظر تفسير"الآية" فيما سلف 1 : 106 ، ثم هذا الجزء : 337 والمراجع في التعليق هناك .
(137) في المطبوعة : "حجج على من جحد" ، وأثبت ما في المخطوطة . والسياق : "فهذه الحجج... حججي" .
(138) في المخطوطة : "من الأنباء الحصه" غير منقوطة ولا بينة ، وما في المطبوعة صحيح المعنى .