تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 1 من سورة طه

القول في تأويل قوله تعالى : طه (1)
قال أبو جعفر محمد بن جرير: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله (طَهَ) فقال بعضهم: معناه يا رجل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تميلة، عن الحسن بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: طه: بالنبطية: يا رجل.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس.
قوله ( طه مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) فإن قومه قالوا: لقد شقي هذا الرجل بربه، فأنـزل الله تعالى ذكره (طَهَ) يعني: يا رجل ( مَا أَنـزلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ).
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن مسلم، أو يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير أنه قال: طه: يا رجل بالسريانية.
قال ابن جريج: وأخبرني زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس، بذلك أيضا. قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد، ذلك أيضا.
حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة عن عكرمة، في قوله (طَهَ) قال: يا رجل، كلمه بالنبطية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبد الله، عن عكرمة، في قوله (طَهَ) قال: بالنبطية: يا إنسان.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن قرة بن خالد، عن الضحاك، في قوله (طَهَ) قال: يا رجل بالنبطية.
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حُصين، عن عكرمة في قوله (طَهَ) قال: يا رجل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (طَهَ) قال: يا رجل، وهي بالسريانية.
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله (طَهَ) قالا يا رجل.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، يعني ابن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (طَهَ) قال: يا رجل.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء الله، وقسم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (طَهَ) قال: فإنه قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله.
وقال آخرون: هو حروف هجاء.
وقال آخرون: هو حروف مقطعة يدلّ كلّ حرف منها على معنى، واختلفوا في ذلك اختلافهم في الم .
وقد ذكرنا ذلك في مواضعه، وبيَّنا ذلك بشواهده.
والذي هو أولى بالصواب عندي من الأقوال فيه قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلمة معروفة في عكَّ فيما بلغني، وأن معناها فيهم: يا رجل، أنشدت لمتمم بن نويرة:
هَتَفْـتُ بِطَـهَ فِـي القِتـالِ فَلَـمْ يُجِبْ
فَخِــفْتُ عَلَيْــهِ أنْ يَكـونَ مُـوَائِلا (3)
وقال آخر:
إنَّ السَّــفاهَةَ طَــهَ مِـنْ خَـلائِقكُمْ
لا بـارَكَ اللـهُ فِـي القَـوْمِ المَلاعِينِ (4)
فإذا كان ذلك معروفا فيهم على ما ذكرنا، فالواجب أن يوجه تأويله إلى المعروف فيهم من معناه، ولا سيما إذا وافق ذلك تأويل أهل العلم من الصحابة والتابعين.
فتأويل الكلام إذن: يا رجل ما أنـزلنا عليك القرآن لتشقى، ما أنـزلناه عليك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل، وذُكِر أنه قيل له ذلك بسبب ما كان يلقى من النَّصب والعناء والسهر في قيام الليل.
* ذكر من قال ذلك:
---------------------------------
الهوامش :
(3) البيت لمتمم بن نويرة كما قال المؤلف . وفيه ( اللسان : طهطه ) : الليث في تفسير ( طه ) مجزومة أنها بالحبشية : يا رجل ، قال : ومن قرأ ( طه ) فحرفان . وبلغنا أن موسى لما سمع كلام الرب عز وجل استفزه الخوف ، حتى قام على أصابع قدميه خوفا ، فقال الله عز وجل : ( طه ) أي اطمئن . الفراء : ( طه ) حرف هجاء . قال : وجاء في التفسير ( طه ) يا رجل : يا إنسان . قال : وحدث قيس عن عاصم عن زر ، قال : قرأ رجل على ابن مسعود ( طه فقال له عبد الله : ( طه ) بكسرتين ، فقال الرجل : أليس إنما أمر أن يطأ قدمه ، فقال له عبد الله : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الفراء : وكان بعض القراء يقطعها ( ط . هـ ) وروى الأزهري عن أبي حاتم قال : ( طه ) : افتتاح سورة ، ثم استقبل الكلام فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . وقال قتادة : ( طه ) بالسريانية : يا رجل . وقال سعيد بن جبير وعكرمة : هي بالنبطية : يا رجل ، وروي ذلك عن ابن عباس . أه . ( اللسان ) .
(4) هذا الشاهد كالذي قبله ، على أن معنى ( طه ) في كلام العرب : يا رجل ولم أقف على قائل البيت .