تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 65 من سورة طه

القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)
يقول تعالى ذكره: فأجمعت السحرة كيدهم، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى ( يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفا، فقال بعضهم: كانوا سبعين ألف ساحر، مع كل ساحر منهم حبل وعصا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا القاسم بن أبي بزّة، قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا، فألقى موسى عصاه، فإذا هي ثعبان مبين فاغر به فاه، فابتلع حبالهم وعصيهم فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا عند ذلك، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما، فعند ذلك قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ .
وقال آخرون: بل كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا) ، فألقوا حبالهم وعصيهم، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا.
وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثت عن وهب بن منبه، قال: صف خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه.
وقال آخرون: كانوا تسع مئة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: كان السحرة ثلاث مئة من العريش، وثلاث مئة من فيوم، ويشكون في ثلاث مئة من الإسكندرية، فقالوا لموسى: إما أن تلقي ما معك قبلنا، وإما أن نلقي ما معنا قبلك، وذلك لقوله ( وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ) وأن في قوله (إمَّا أنْ ) في موضع نصب، وذلك أن معنى الكلام: اختر يا موسى أحد هذين الأمرين: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نكون أوّل من ألقى، ولو قال قائل: هو رفع، كان مذهبا، كأنه وجَّهه إلى أنه خبر، كقول القائل:
فَسِــيرَا فإمَّــا حاجَـةً تَقْضِيانهـا
وإمَّــا مَقِيــل صَــالِحٌ وصَـدِيقُ (1)
---------------
الهوامش:
(1) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ، الورقة 198) قال : وقوله " إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى " . . أن وأن : في موضع نصب ، والمعنى : اختر إحدى هاتين ؛ ولو رفع إذ لم يظهر الفعل ، كان صوابا ، كأنه خبر ، كقول الشاعر : فسيرا . . . البيت " . ولو رفع " فإما منا بعد وإما فداء " كان أيضا صوابا . ومذهبه كمذهب قوله : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " والنصب في قوله " إما أن تلقي " وفي قوله " فإما منا بعد وإما فداء " : أجود من الرفع ، لأنه شيء ليس بعام ، مثل ما ترى من معنى قوله " فإمساك " و " فصيام ثلاثة أيام " لما كان المعنى يعم الناس في الإمساك بالمعروف في صيام الثلاثة الأيام في كفارة اليمين ، كان الجزاء ، فرفع لذلك ، والاختيار إنما هي فعلة واحدة .