تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 84 من سورة الأنبياء
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن جرير، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: فقيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن ومخلد، عن هشام، عن الحسن، دخل حديث أحدهما في الآخر، قالا فقيل له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فركض برجله فنبعت عين، فاغتسل منها، فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله كل ألم وكل سقم، وعاد إليه شبابه وجماله، أحسن ما كان وأفضل ما كان، ثم ضرب برجله، فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحا، وكُسِي حُلة، قال: فجعل يتلفت ولا يرى شيئا ما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله له، حتى والله ذُكر لنا أن الماء الذي اغتسل به، تطاير على صدره جرادا من ذهب، قال: فجعل يضمه بيده، فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى، ولكنها بركتك، فمن يشبع منها، قال: فخرج حتى جلس على مكان مشرف، ثم إن امرأته قالت: أرأيت إن كان طردني إلى من أكله؟ أدعه يموت جوعا أو يضيع فتأكله السباع؟ لأرجعنّ إليه فرجعت، فلا كُناسة ترى، ولا من تلك الحال التي كانت، وإذا الأمور قد تغيرت، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي، وذلك بعين أيوب، قالت: وهابت صاحب الحُلة أن تأتيه فتسأل عنه، فأرسل إليها أيوب فدعاها، فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتَلى الذي كان منبوذا على الكُناسة، لا أدري أضاع أم ما فعل؟ قال لها أيوب: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي، فهل رأيته؟ وهي تبكي إنه قد كان هاهنا؟ قال: وهل تعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى على أحد رآه؟ ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه، ثم قالت: أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا، قال: فإني أنا أيوب الذي أمرتيني أن أذبح للشيطان، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان، فدعوت الله فردّ علي ما ترين، قال الحسن: ثم إن الله رحمها بصبرها معه على البلاء أن أمره تخفيفا عنها أن يأخذ جماعة من الشجر فيضربها ضربة واحدة تخفيفا عنها بصبرها معه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ )... إلى آخر الآيتين، فإنه لما مسه الشيطان بنصب وعذاب، أنساه الله الدعاء أن يدعوه فيكشف ما به من ضرّ، غير أنه كان يذكر الله كثيرا، ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيمان، فلما انتهى الأجل، وقضى الله أنه كاشف ما به من ضرّ أذن له في الدعاء، ويسرَّه له، وكان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبدي أيوب أن يدعوني، ثم لا أستجيب له، فلما دعا استجاب له، وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم، وأثنى عليه فقال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ .
واختلف أهل التأويل في الأهل الذي ذكر الله في قوله ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) أهم أهله الذين أوتيهم في الدنيا، أم ذلك وعد وعده الله أيوب أن يفعل به في الآخرة؟ فقال بعضهم: إنما آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فإنهم لم يُرَدّوا عليه في الدنيا، وإنما وعد الله أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة.
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قول الله لأيوب ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) فقال: قيل له: إن أهلك لك في الآخرة، فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا، فقال: يكونون لي في الآخرة، وأُوتي مثلهم في الدنيا، قال: فرجع إلى مجاهد فقال: أصاب.
وقال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك، عن ابن مسعود ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: أهله بأعيانهم.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لما دعا أيوب استجاب الله له، وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال: أحياهم بأعيانهم، وردّ إليه مثلهم (8) .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) قال: قيل له: إن شئت أحييناهم لك، وإن شئت كانوا لك في الآخرة وتعطى مثلهم في الدنيا، فاختار أن يكونوا في الآخرة ومثلهم في الدنيا.
حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال الحسن وقتادة: أحيا الله أهله بأعيانهم ، وزاده إليهم مثلهم.
وقال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الذي ردّه عليه وأهله ، فأما الأهل والمال فإنه ردّهما عليه.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن رجل ، عن الحسن ( وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: من نسلهم.
وقوله ( رَحْمَةَ ) نصبت بمعنى: فعلنا بهم ذلك رحمة منا له.
وقوله ( وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) يقول: وتذكرة للعابدين ربهم فعلنا ذلك به ليعتبروا به ، ويعلموا أن الله قد يبتلي أولياءه ومن أحبّ من عباده في الدنيا بضروب من البلاء في نفسه وأهله وماله ، من غير هوان به عليه ، ولكن اختبارا منه له ليبلغ بصبره عليه واحتسابه إياه وحسن يقينه منـزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده ،
وقد: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، في قوله رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وقوله رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) قال: أيما مؤمن أصابه بلاء فذكر ما أصاب أيوب فليقل: قد أصاب من هو خير منا نبيا من الأنبياء.
-------------------
الهوامش :
(8) هذا يناسب الاستشهاد على عدم ردهم بأعيانهم . فلعله مؤخر من تقديم .