تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 66 من سورة الحج
يقول تعالى ذكره: والله الذي أنعم عليكم هذه النعم, هو الذي جعل لكم أجساما أحياء بحياة أحدثها فيكم, ولم تكونوا شيئا, ثم هو يميتكم من بعد حياتكم فيفنيكم عند مجيء آجالكم، ثم يحييكم بعد مماتكم عند بعثكم لقيام الساعة ( إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ ) يقول: إن ابن آدم لجحود لنعم الله التي أنعم بها عليه من حُسن خلقه إياه, وتسخيره له ما سخر مما في الأرض والبرّ والبحر, وتركه إهلاكه بإمساكه السماء أن تقع على الأرض بعبادته غيره من الآلهة والأنداد, وتركه إفراده بالعبادة وإخلاص التوحيد له.
وقوله: ( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا ) يقول: لكل جماعة قوم هي خلت من قبلك, جعلنا مألفا يألفونه ومكانا يعتادونه لعبادتي فيه، وقضاء فرائضي، وعملا يلزمونه. وأصل المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شرّ; يقال: إن لفلان منسكا يعتاده: يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر . وإنما سميت مناسك الحجّ بذلك, لتردّد الناس إلى الأماكن التي تعمل فيها أعمال الحجّ والعُمرة. وفيه لغتان: " مَنْسِك " بكسر السين وفتح الميم, وذلك من لغة أهل الحجاز, و " مَنْسَك " بفتح الميم والسين جميعا, وذلك من لغة أسد. وقد قرئ باللغتين جميعا.