تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 214 من سورة الشعراء

وقوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك من قومك الأقربين إليك قرابة, وحذّرهم من عذابنا أن ينـزل بهم بكفرهم.
وذُكر أن هذه الآية لما نـزلت, بدأ ببني جده عبد المطلب وولده, فحذّرهم وأنذرهم.
*ذكر الرواية بذلك:
حدثني أحمد بن المقدام, قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن, قال: ثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: لما نـزلت هذه الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا صَفِيَّةُ بِنْتَ عِبْدِ المُطَّلِبِ, يا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئا, سَلُوني مِنْ مالي ما شِئْتُمْ".
حدثنا ابن وكيع, قال: ثني أبي ويونس بن بكير, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا حكام, قال: ثنا عنبسة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, قال: لما نـزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قام النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ, ويا صَفِيَّةُ ابْنَةَ عَبْدِ المُطَّلِبِ" ثم ذكر نحو حديث ابن المقدام.
حدثني يونس بن عبد الأعلى, قال: ثنا سلامة, قال: قال عقيل: ثني الزهري, قال: قال سعيد بن المسيب, وأبو سلمة بن عبد الرحمن: إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنـزل عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ): " يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله, لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا, يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا, يا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا, يا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ الله لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا, سَلِينِي ما شِئْتِ, لا أُغْني عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا ".
حدثني محمد بن عبد الملك, قال: ثنا أبو اليمان, قال: أخبرنا شعيب عن الزهري, قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنـزل عليه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال: " يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله " ثم ذكر نحو حديث يونس, عن سلامة; غير أنه زاد فيه " يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ الله لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا " ولم يذكر في حديثه فاطمة.
حدثني يونس, قال: ثنا سلامة بن روح, قال: قال عقيل: ثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنـزل عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) جمع قريشا, ثم أتاهم, فقال لهم: " هَلْ فِيكُمْ غرِيبٌ؟ " فقالوا: لا إلا ابن أخت لنا لا نراه إلا منا, قال: " إنَّهُ منْكُمْ", فوعظهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال لهم في آخر كلامه: " لا أعْرِفَنَّ مَا وَرَدَ عليَّ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَسُوقُونَ الآخِرَةَ, وجِئْتُمْ إليَّ تَسُوقُونَ الدُّنْيا ".
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن, أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنـزل عليه (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) : " يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا, يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئًا, يا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئًا, يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رسُولِ الله لا أغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا, يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئًا ".
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, قال: سمعت الحجاج يحدث, عن عبد الملك بن عمير, عن موسى بن طلحة, عن أبي هريرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما أنـزل الله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أنْقِذُوا أنفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ, يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ, ألا إنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأبلُّها ببلالها ".
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا أبو أسامة, عن زائدة, عن عبد الملك بن عمير, عن موسى بن طلحة, عن أبي هريرة, قال: لما نـزلت هذه الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا, فعم وخصّ, فقال: " يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ الله, يا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ, يا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ, يا مَعْشَرَ بِنِي هاشم, يا مَعْشَرَ بني عَبْدِ المُطَّلِبِ", يقول لكلهم: " أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ, يا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ, فإني وَاللهِ ما أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا, ألا إنَّ لَكُمْ رَحِمًا سأبلُّها بِبلالها ".
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا المعتمر, عن أبيه, قال: ثنا أبو عثمان, عن زهير بن عمرو وقبيصة بن مخارق: أنهما قالا أنـزل الله على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ), فحدثنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه علا صخرة من جبل, فعلا أعلاها حجرا, ثم قال: " يا آل عَبْدِ مَنافاه, يا صَباحاه, إنّي نَذِيرٌ, إنَّ مَثَلِي وَمَثَلَكُمْ مَثَل رَجُلٍ أتى الجَيْشُ, فَخَشِيَهُمْ على أهْلِهِ, فَذَهَبَ يَرْبَؤُهم (2) فَخَشِيَ أنْ يَسْبِقُوهُ إلى أهْلِهِ, فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِهِمْ: يا صَبَاحَاهُ"! أو كما قال.
حدثنا محمد بن بشار, قال: ثنا عبد الوهاب ومحمد بن جعفر, عن عوف, عن قسامة بن زهير, قال: بلغني أنه لما نـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) جاء فوضع أصبعه في أذنه, ورفع من صوته, وقال: " يا بَنِي عَبْدِ مَناف وَاصَبَاحَاهُ"!
قال: ثني أبو عاصم, قال: ثنا عوف, عن قسامة بن زهير, قال: أظنه عن الأشعري, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, بنحوه.
حدثني عبد الله بن أبي زياد, قال: ثنا أبو زيد الأنصاري سعد بن أوس, عن عوف, قال: قال قسامة بن زهير, حدثني الأشعري, قال: لما نـزلت, ثم ذكر نحوه; إلا أنه قال: وضع أصبعيه في أذنيه.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا ابن نُمير, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما نـزلت هذه الآية (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا, ثم نادى: " يا صَباحاهُ", فاجتمع الناس إليه, فبين رجل يجيء, وبين آخر يبعث رسوله, فقال: " يا بَنِي هَاشِمٍ, يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, يا بَنِي فِهْرٍ, يا بَنِي يا بَنِي, أرَأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صَدَّقْتُمُونِي؟ " قالوا: نعم, قال: " فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" فقال أبو لهب: تبا لكم سائر اليوم, ما دعوتموني إلا لهذا؟ فنـزلت: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب, قالا ثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا, فقال: " يا صباحاهُ!" فاجتمعت إليه قريش, فقالوا له: مالك؟ فقال: " أرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أوْ مُمُسِّيكُمْ ألا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ " قالوا: بلى, قال: " فإنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد ". قال أبو لهب: تبا لك, ألهذا دعوتنا أو جمعتنا!, فأنـزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ... إلى آخر السورة.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا أبو أسامة, عن الأعمش, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما نـزلت هذه الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) ورهطك منهم المخلصين, خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا, فهتف: " يا صَباحاهُ!" فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد, فاجتمعوا إليه, فقال: " يا بَنِي فُلان, يا بَنِي فُلان, يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, يا بَنِي عَبْدِ مَنَاف ", فاجتمعوا إليه, فقال: " أرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا تَخْرُج بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ؟ " قالوا: ما جربنا عليك كذبا, قال: " فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيدٍ", فقال أبو لهب: تبا لك, ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنـزلت هذه السورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ و قد تب, كذا قرأ الأعمش, إلى آخر السورة.
حدثنا أبو كريب, قال: ثنا أبو معاوية بن هشام, عن سفيان, عن حبيب, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: لما نـزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام على الصفا, فقال: " يا صَباحاهُ"!
قال ثنا خالد بن عمرو, قال: ثنا سفيان الثوري, عن حبيب بن أبي ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما نـزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ), قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا, فقال: " يا صباحاه !" فجعل يعددهم: " يا بَنِي فُلان, وَيا بَنِي فُلان, ويا بَنِي عَبْدِ مَنَاف ".
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن مغيرة, عن عمرو بن مرّة الجَمَليّ, قال: لما نـزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال: أتى جبلا فجعل يهتف: " يا صَباحاهُ", فأتاه من خف من الناس, وأرسل إليه المتثاقلون من الناس رسلا فجعلوا يجيئون يتبعون الصوت ; فلما انتهوا إليه قال: " إنَّ مِنْكُمْ مَنْ جَاءَ لِيَنْظُرَ, وَمِنكُمْ مَنْ أرْسَلَ لينظر مَنِ الهاتف ", فلما اجتمعوا وكثروا قال: " أرَأيتَْكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلا مُصَبِّحَتُكُمْ مِنْ هَذَا الجَبَلِ, أكُنْتُمْ مُصَدِّقيّ؟ " قالوا: نعم, ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا, فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيَاتِ التي أُنـزلْنَ, وأنذرهم كما أمر, فَجَعَلَ ينادي: " يا قُرَيْشُ, يا بَنِي هاشِمٍ" حتى قالَ: " يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, إنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بينَ يَدَيْ عَذَاب شَدَيد ".
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا جرير, عن عمرو: أنه كان يقرأ: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) ورهطك المخلصين.
قال: ثنا سلمة, قال: ثني محمد بن إسحاق, عن عبد الغفار بن القاسم, عن المنهال بن عمرو, عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب, عن عبد الله بن عباس, عن عليّ بن أبي طالب: لما نـزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لي: " يا عليُّ, إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أُنْذِرْ عَشِيرَتِي الأقْرَبِين ", قال: " فضقت بذلك ذرعا, وعرفت أنى متى ما أنادهم بهذا الأمر أَرَ منهم ما أكره, فصمتُّ حتى جاء جبرائيل, فقال: يا محمد, إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربك. فاصنع لنا صاعا من طعام, واجعل عليه رجل شاة, واملأ لنا عسا من لبن, ثم اجمع لي بني عبد المطلب, حتى أكلمهم, وأبلغهم ما أمرت به ", ففعلت ما أمرني به, ثم دعوتهم له, وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه, فيهم أعمامه: أبو طالب, وحمزة, والعباس, وأبو لهب; فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم, فجئت به. فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حِذْية من اللحم (3) فشقها بأسنانه, ثم ألقاها في نواحي الصحفة, قال: " خذوا باسم الله ", فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة, وما أرى إلا مواضع أيديهم; وايم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم, ثم قال: " اسْقِ النَّاسَ", فجِئْتُهُمْ بذلك العس, فشربوا حتى رووا منه جميعا, وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله; فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم, بدره أبو لهب إلى الكلام, فقال: لَهَدَّ (4) ما سحركم به صاحبكم, فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: " الغد يا عليّ, إن هَذَا الرَّجُل قدْ سَبَقَنِي إلى ما قَدْ سَمِعْتَ مِنَ القَوْلِ, فَتفرّق القوم قبلَ أنْ أُكَلِّمَهُمْ فأعِدَّ لَنا مِنَ الطَّعَامِ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ, ثُمَّ اجْمَعْهُمْ لِي", قال: ففعلت ثم جمعتهم, ثم دعاني بالطعام, فقرّبته لهم, ففعل كما فعل بالأمس, فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة, قال: " اسقهم ", فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعًا, ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: " يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, إنِّي والله ما أعْلَمُ شابا فِي العَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بأفْضَلَ ممَّا جئْتُكُمْ بِهِ, إنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ, وَقَدْ أمَرَنِي الله أنْ أدْعُوكُمْ إلَيْهِ, فَأيُّكُمْ يُؤَازِرُني عَلى هَذَا الأمْرِ, عَلى أنْ يَكُونَ أخِي" وكَذَا وكَذَا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا, وقلت وإني لأحدثهم سنا, وأرمصهم عينا, وأعظمهم بطنا, وأخمشهم ساقا. أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك, فأخذ برقبتي, ثم قال: " إن هذا أخي" وكذا وكذا, " فاسمعوا له وأطيعوا ", قال: فقام القوم يضحكون, ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا سلمة, قال: ثني إسحاق, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن بن أبي الحسن, قال: لما نـزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح, ثم قال: " يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ, يا بَنِي عَبْدِ مَناف, يا بَنِي قُصَيّ", قال: ثم فخَّذ قريشا قبيلة قبيلة, حتى مرّ على آخرهم," إنّي أدْعُوكُمْ إلى اللهِ, وأُنْذِرُكُمْ عَذَابَهُ".
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال: أمر محمد أن ينذر قومه, ويبدأ بأهل بيته وفصيلته, قال: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ .
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, قال: ولما نـزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يا فاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ, يا صَفِيَّهُ بِنْتَ عَبْدِ المُطَّلِبِ, اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) بدأ بأهل بيته وفصيلته.
حدثنا الحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: لما نـزلت: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم بني هاشم, فقال: " يا بني هاشم, ألا لا ألْفِيَنَّكُمْ تأْتُونِي تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا, ويأتي النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ, ألا إنَّ أوْليائي مِنْكُمْ المُتَّقُونَ, فاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
------------------------
الهوامش :
(2) يقال ربأ القوم يربؤهم، وربأ لهم إذا وقف على مكان عال، ونظر بعيدًا، يرقب عدوا أو جيشًا مغيرًا، أو نحو ذلك
(3) في (اللسان: حذا): أعطيته حذية من لحم، وحذة وفلذة، كل هذا إذا قطع طولا. ا ه. وقيل: هي القطعة الصغيرة.
(4) في (اللسان: هد) وفي الحديث "أن أبا لهب قال: لهد ما سحركم صاحبكم" قال لهد: كلمة يتعجب بها، يقال: لهد الرجل: أي ما أجلده. قلت: وهو كقولنا لشد ما قال فلان، أي ما أشد .