تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 72 من سورة الشعراء

يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربية في معنى ذلك: فقال بعض نحويي البصرة معناه: هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم. فحذف الدعاء, كما قال زُهَير:
القــائِدُ الخَــيْلَ مَنْكُوبًـا دَوَابِرُهـا
قـدْ أُحْـكِمَتْ حَكمـاتِ القِـدّ والأبَقـا (3)
وقال: يريد أحكمت حكمات الأبق, فألقى الحكمات وأقام الأبق مُقامها. وقال بعض من أنكر ذلك من قوله من أهل العربية: الفصيح من الكلام في ذلك هو ما جاء في القرآن, لأن العرب تقول: سمعت زيدا متكلما, يريدون: سمعت كلام زيد, ثم تعلم أن السمع لا يقع على الأناسيّ. إنما يقع على كلامهم ثم يقولون: سمعت زيدا: أي سمعت كلامه. قال: ولو لم يقدم في بيت زهير حكمات القدّ لم يجز أن يسبق بالأبق عليها, لأنه لا يقال: رأيت الأبق, وهو يريد الحكمة.
------------------------
الهوامش :
(3) البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي 248) قال شارحه: الدوابر: الحوافر، أي تأكلها الأرض وتؤثر فيها. (وفي اللسان: دبر): دابرة الحافر مؤخرة، وقيل: هي التي تلي مؤخر الرسغ. وجمعها: دوابر. (وأحكمت): جعل لها حكمات. والحكمة: التي تكون على الأنف من الرسن. والقد: ما قطع من الجلد. والأبق: شبه الكتان، وقيل: هو القنب. ا ه. وفي (اللسان: حكم): والحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه وحكم الفرس حكمًا (بفتح الحاء) ، وأحكمه بالحكمة: جعل للجامه حكمة، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق، لأن قصدهم الشجاعة، لا الزينة؛ قال زهير: "القائد الخيل.." البيت. يريد قد أحكمت بحكمات القد، وبحكمات الأبق. فحذف الحكمات، وأقام الأبق مكانها. ويروي: "محكومة حكمات القد والأبقا" على اللغتين جميعًا. قال أبو الحسن: عُدِّي: "قد أحكمت" لأن فيه معنى قلدت، وقلدت متعدية إلى مفعولين، الأزهري: وفرس محكومة في رأسها حكمة، وأنشد * محكوكـة حكمـات القـد والأبق *
ابن شميل: الحكمة: خلقة تكون في فم الفرس.