تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 198 من سورة آل عمران

القول في تأويل قوله : لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ (198)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (23) " لكن الذين اتقوا ربهم "، لكن الذين اتقوا الله بطاعته واتّباع مرضاته، في العمل بما أمرهم به، واجتناب ما نهاهم عنه=" لهم جنات " يعني: بساتين، (24) =" تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها "، يقول: باقين فيها أبدًا. (25) =" نـزلا من عند الله "، يعني: إنـزالا من الله إياهم فيها، أنـزلوها.
ونصب " نـزلا " على التفسير من قوله: " لهم جنات تجري من تحتها الأنهار "، كما يقال: " لك عند الله جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابًا "، وكما يقال: " هو لك صدقة ": و " هو لك هبة ". (26)
* * *
= وقوله: " من عند الله " يعني: من قبل الله، (27) ومن كرامة الله إياهم، وعطاياه لهم.
* * *
وقوله: " وما عند الله خير للأبرار "، يقول: وما عند الله من الحياة والكرامة، وحسن المآب، " خير للأبرار "، مما يتقلب فيه الذين كفروا، فإن الذي يتقلبون فيه زائل فانٍ، وهو قليلٌ من المتاع خسيس، وما عند الله من كرامته للأبرار - (28) وهم أهل طاعته (29) باقٍ، غيرُ فانٍ ولا زائل.
* * *
8373 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: " وما عند الله خير للأبرار "، قال: لمن يطيع الله.
8374 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن خيثمة، عن الأسود، عن عبد الله قال: ما من نَفْس بَرَّة ولا فاجرة إلا والموتُ خير لها. ثم قرأ عبد الله: " وما عند الله خير للأبرار "، وقرأ هذه الآية: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ . (30) [سورة آل عمران: 178]
8375 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن فرج بن فضالة، عن لقمان، عن أبي الدرداء أنه كان يقول: ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، ومن لم يصدقني فإن الله يقول: " وما عند الله خير للأبرار "، ويقول: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا . (31)
-----------------------
الهوامش :
(23) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناؤه" ، والسياق يقتضي ما أثبت.
(24) انظر تفسير"الجنة" فيما سلف 1: 384 / 5: 535 ، 542 / 6: 261 ، 262 / 7: 227.
(25) انظر تفسير"الخلود" فيما سلف 6: 261: 262 تعليق: 1 ، والمراجع هناك ، وفهارس اللغة.
(26) "التفسير" ، عند الكوفيين ، هو التمييز عند البصريين ، وانظر ما سلف 2: 338 ، تعليق: 1 / 3: 90 ، تعليق: 2 / 5: 91 ، تعليق: 4 وانظر معاني القرآن للفراء 1: 251.
(27) انظر تفسير"عند" فيما سلف قريبًا ص: 490 ، تعليق 6 ، والمراجع هناك.
(28) في المطبوعة: "وما عند الله خير من كرامته للأبرار" ، وهو فاسد المعنى ، وكان مثله في المخطوطة ، إلا أنه ضرب على"خير" بإشارة الحذف ، ولكن الناشر لم يدرك معنى الإشارة فأبقاها. فأفسدت الكلام.
(29) انظر تفسير"الأبرار" فيما سلف قريبًا ص: 482 ، تعليق: 6 ، والمراجع هناك.
(30) الحديث: 8374 - مضى برقم: 8267 ، عن محمد بن بشار ، عن عبد الرحمن -وهو ابن مهدي- عن سفيان.
ورواه ابن أبي حاتم ، من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش كما نقله ابن كثير عنه 2: 328.
(31) الحديث-: 8375 - فرج بن فضالة: ضعيف ، كما بينا في: 1688.
لقمان: هو ابن عامر الوصابي الحمصي. وهو ثقة ، ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 4 / 1 / 251 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 182- 183. ولم يذكرا فيه جرحا.
و"الوصابي": بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة ، كما ضبطه ابن الأثير في اللباب ، والذهبي في المشتبه ، ووهم الحافظ ابن حجر ، فضبطه في التقريب بتخفيفها.
والحديث ذكره ابن كثير 2: 328 - 329 ، عن هذا الموضع من الطبري. ووقع في طبعته"نوح ابن فضالة" بدل"فرج بن فضالة" ، وهو خطأ مطبعي سخيف.
وذكره السيوطي 2: 104 ، عند الآية السابقة: 178 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر.