تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 1 من سورة ص

القول في تأويل قوله تعالى : ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى قول الله عزّ وجلّ: (ص) فقال بعضهم: هو من المصاداة, من صاديت فلانا, وهو أمر من ذلك, كأن معناه عندهم: صاد بعملك القرآن: أي عارضه به, ومن قال هذا تأويله, فإنه يقرؤه بكسر الدال, لأنه أمر, وكذلك رُوي عن الحسن .
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال الحسن (ص) قال: حادث القرآن.
وحُدثت عن عليّ بن عاصم, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن, في قوله (ص) قال: عارض القرآن بعملك.
حُدثت عن عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, عن الحسن, في قوله (ص والقرآن) قال: عارض القرآن, قال عبد الوهاب: يقول اعرضه على عملك, فانظر أين عملك من القرآن.
حدثني أحمد بن يوسف, قال: ثنا القاسم, قال: ثنا حجاج, عن هارون, عن إسماعيل, عن الحسن أنه كان يقرأ: (ص والقرآن) بخفض الدال, وكان يجعلها من المصاداة, يقول: عارض القرآن.
وقال آخرون: هي حرف هجاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: أما(ص) فمن الحروف. وقال آخرون: هو قسم أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله (ص) قال: قسم أقسمه الله, وهو من أسماء الله.
وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (ص) قال: هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. وقال آخرون: معنى ذلك: صدق الله.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك, عن أبي روق, عن الضحاك فى قوله (ص) قال: صدق الله.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبي إسحاق وعيسى بن عمر, بسكون الدال, فأما عبد الله بن أبي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتماع الساكنين, ويجعل ذلك بمنـزلة الأداة, كقول العرب: تركته حاثِ باثِ, وخازِ بازِ يخفضان من أجل أن الذي يلي آخر الحروف ألف فيخفضون مع الألف, وينصبون مع غيرها, فيقولون حيث بيث, ولأجعلنك في حيص بيص: إذا ضيق عليه. وأما عيسى بن عمر فكان يوفق بين جميع ما كان قبل آخر الحروف منه ألف, وما كان قبل آخره ياء أو واو فيفتح جميع ذلك وينصبه, فيقول: ص و ق و ن ويس, فيجعل ذلك مثل الأداة كقولهم: ليتَ, وأينَ وما أشبه ذلك.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا السكون في كل ذلك, لأن ذلك القراءة التي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفيضة فيهم, وأنها حروف هجاء لأسماء المسميات, فيعرب إعراب الأسماء والأدوات والأصوات, فيسلك به مسالكهن, فتأويلها إذ كانت كذلك تأويل نظائرها التي قد تقدم بيانها قبل فيما مضى.
وكان بعض أهل العربية يقول: (ص) في معناها كقولك: وجب والله, نـزل والله, وحق والله, وهي جواب لقوله (والقرآن) كما تقول: حقا والله, نـزل والله.
وقوله ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) وهذا قسم أقسمه الله تبارك وتعالى بهذا القرآن فقال: ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ )
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( ذِي الذِّكْرِ ) فقال بعضهم: معناه: ذي لشرف.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ, قال: ثنا أبو أحمد, عن قيس, عن أبي حصين, عن سعيد ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) قال: ذي الشرف.
حدثنا نصر بن عليّ وابن بشار, قالا ثنا أبو أحمد, عن مسعر, عن أبي حصين (ذي الذكر) : ذي الشرف.
قال: ثنا أبو أحمد, عن سفيان, عن إسماعيل, عن أبي صالح أو غيره (ذي الذكر) : ذي الشرف.
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ(والقرآن ذي الذكر) قال: ذي الشرف.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: ثنا معاوية بن هشام, عن سفيان, عن يحيى بن عُمارة, عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس (ص والقرآن ذي الذكر) ذي الشرف.
وقال بعضهم: بل معناه: ذي التذكير, ذكَّركمُ الله به.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك, عن أبي روق, عن الضحاك (ذي الذكر) قال: فيه ذكركم, قال: ونظيرتها: لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ .
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة (ذي الذكر) : أي ما ذكر فيه.
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ذي التذكير لكم, لأن الله أتبع ذلك قوله (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فكان معلوما بذلك أنه إنما أخبر عن القرآن أنه أنـزله ذكرًا لعباده ذكرهم به, وأن الكفار من الإيمان به في عزّة وشقاق.