تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 139 من سورة النساء

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)
قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه: " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين "، فمن صفة المنافقين. يقول الله لنبيه: يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني" أولياء "= يعني: أنصارًا وأخِلاء (46) =" من دون المؤمنين "، يعني: من غير المؤمنين (47) =" أيبتغون عندهم العزة "، يقول: أيطلبون عندهم المنعة والقوة، (48) باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي؟=" فإن العزة لله جميعًا "، يقول: فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاءَ العزة عندهم، هم الأذلاء الأقِلاء، فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العزَّة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يُعِزّ من يشاء ويذل من يشاء، فيعزُّهم ويمنعهم؟
* * *
وأصل " العزة "، الشدة. ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة،" عَزَاز ". وقيل: " قد استُعِزَّ على المريض "، (49) إذا اشتدَّ مرضه وكاد يُشفى. ويقال: " تعزز اللحمُ"، إذا اشتد. ومنه قيل: " عزّ عليّ أن يكون كذا وكذا "، بمعنى: اشتد عليَّ. (50)
-------------------
الهوامش :
(46) انظر تفسير"الولي" فيما سلف ص: 247 ، تعليق: 5 ، والمراجع هناك.
(47) انظر تفسير"من دون" فيما سلف ص: 247 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(48) انظر تفسير"الابتغاء" فيما سلف ص: 202 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(49) "استعز" بالبناء للمجهول ، وفي الحديث: "أنه استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه" ، أي: اشتد به المرض وغلبه وأشرف على الموت.
وقوله: "وكاد يشفى" ، أي: يشرف على الهلاك ، أشفى يشفى إشفاء.
(50) انظر تفسير"العزة" و"عزيز" فيما سلف 3 : 88 / 4 : 244 / 6 : 168 ، 271 ، 476. هذا ، ولم يفسر أبو جعفر معنى"العزة" تفسيرًا مطولا إلا في هذا الموضع ، وهذا دليل آخر على طريقته في اختصار تفسيره هذا.