تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 25 من سورة النساء

القول في تأويل قوله : أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ
قال أبو جعفر: يعني بذلك: ومن لم يستطع منكم، أيها الناس، طولا = يعني من الأحرار =" أن ينكح المحصنات "، وهن الحرائر (54) = " المؤمنات " اللواتي قد صدَّقن بتوحيد الله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق.
* * *
وبنحو ما قلنا في" المحصنات " قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9062 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " أن ينكح المحصنات "، يقول: أن ينكح الحرائر، فلينكح من إماء المؤمنين.
9063 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم " قال: " المحصنات " الحرائر، فلينكح الأمة المؤمنة.
9064 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9065 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " فتياتكم "، فإماؤكم.
9066 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير: " أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات "، قال: أما من لم يجد ما ينكح الحرة، تزوج الأمة. (55)
9067 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات "، قال: لا يجد ما ينكح به حرة، (56) فينكح هذه الأمة، فيتعفف بها، ويكفيه أهلها مؤونتها. ولم يحلّ الله ذلك لأحد، إلا أن لا يجد ما ينكح به حرة فينفق عليها، ولم يحلّ له حتى يخشى العنت. (57)
9068 - حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا سفيان، عن هشام الدستوائي، عن عامر الأحول، عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرة، وتُنكح الحرة على الأمة، ومن وجد طَوْلا لحرة فلا ينكحْ أمةً.
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته جماعة من قرأة الكوفيين والمكيين: ( أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصِنَاتِ ) بكسر " الصاد " مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك، سوى قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [سورة النساء: 24]، فإنهم فتحوا " الصاد " منها، ووجهوا تأويله إلى أنهن محصنات بأزواجهن، وأن أزواجهن هم أحصنوهنّ. وأما سائر ما في القرآن، فإنهم تأوّلوا في كسرهم " الصاد " منه، إلى أن النساء هنَّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفة.
* * *
وقرأت عامة قرأة المدينة والعراق ذلك كلَّه بالفتح، بمعنى أن بعضهن أحصنهن أزواجُهن، وبعضهن أحصنهنّ حريتهن أو إسلامهن.
* * *
وقرأ بعض المتقدمين كل ذلك بالكسر، بمعنى أنهن عففن وأحصنَّ أنفسهن. وذكرت هذه القراءة - أعني بكسر الجميع - عن علقمة، على الاختلاف في الرواية عنه. (58)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندنا من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، مع اتفاق ذلك في المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ، إلا في الحرف الأول[من سورة النساء: 24] وهو قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، فإني لا أستجيز الكسر في صاده، لاتفاق قراءة الأمصار على فتحها. (59) ولو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضَتها بفتحها، كان صوابًا القراءةُ بها كذلك، لما ذكرنا من تصرف " الإحصان " في المعاني التي بيّناها، فيكون معنى ذلك لو كسر: والعفائف من النساء حرامٌ عليكم، إلا ما ملكت أيمانكم، بمعنى أنهن أحصنَّ أنفسهن بالعفة. (60)
* * *
وأما " الفتيات "، فإنهن جمع " فتاة "، وهن الشوابّ من النساء. ثم يقال لكل مملوكة ذاتِ سنّ أو شابة: " فتاة "، والعبد: " فتى ".
* * *
ثم اختلف أهل العلم في نكاح الفتيات غير المؤمنات، وهل عنى الله بقوله: " من فتياتكم المؤمنات "، تحريم ما عدا المؤمنات منهن، أم ذلك من الله تأديب للمؤمنين؟
فقال بعضهم: ذلك من الله تعالى ذكره دلالة على تحريم نكاح إماء المشركين.
*ذكر من قال ذلك:
9069 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " من فتياتكم المؤمنات "، قال: لا ينبغي أن يتزوّج مملوكة نصرانيّةً.
9070 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " من فتياتكم المؤمنات "، قال: لا ينبغي للحرّ المسلم أن ينكح المملوكة من أهل الكتاب.
9071 - حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، سمعت أبا عمرو، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، وأبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم، يقولون: لا يحل لحرّ مسلم ولا لعبد مسلم، الأمةُ النصرانية، لأن الله يقول: " من فتياتكم المؤمنات "، يعني بالنكاح. (61)
* * *
وقال آخرون: ذلك من الله على الإرشاد والندب، لا على التحريم. وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق.
*ذكر من قال ذلك:
9072 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مغيرة قال، قال أبو ميسرة: أما أهل الكتاب بمنـزلة الحرائر.
* * *
= ومنهم أبو حنيفة وأصحابه، (62) واعتلوا لقولهم بقول الله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [سورة المائدة: 5]. قالوا: فقد أحل الله محصنات أهل الكتاب عامًّا، فليس لأحد أن يخُص منهن أمة ولا حرة. قالوا: ومعنى قوله: " فتياتكم المؤمنات "، غير المشركات من عبدة الأوثان.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: هو دلالة على تحريم نكاح إماء أهل الكتاب، فإنهن لا يحللن إلا بملك اليمين. وذلك أن الله جل ثناؤه أحلّ نكاح الإماء بشروط، فما لم تجتمع الشروط التي سماهن فيهن، (63) فغير جائز لمسلم نكاحهن.
* * *
فإن قال قائل: فإنّ الآية التي في" المائدة " تدل على إباحتهن بالنكاح؟
قيل: إن التي في" المائدة "، قد أبان أن حكمها في خاص من محصناتهم، وأنها معنيٌّ بها حرائرهم دون إمائهم، قولُه: " من فتياتكم المؤمنات ". وليست إحدى الآيتين دافعًا حكمها حكمَ الأخرى، (64) بل إحداهما مبينة حكم الأخرى، وإنما تكون إحداهما دافعة حكم الأخرى، لو لم يكن جائزًا اجتماع حكميهما على صحة. (65) فغير جائز أن يحكم لإحداهما بأنها دافعة حكم الأخرى، إلا بحجة التسليم لها من خبر أو قياس. ولا خبر بذلك ولا قياس. والآية محتملة ما قلنا: والمحصنات من حرائر الذين أوتوا الكتاب من قبلكم دون إمائهم.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
قال أبو جعفر: وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم.
* * *
وتأويل ذلك: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ، فلينكح بعضكم من بعض = بمعنى: فلينكح هذا فتاة هذا.
* * *
ف " البعض " مرفوع بتأويل الكلام، ومعناه، إذ كان قوله: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، في تأويل: فلينكح مما ملكت أيمانكم، ثم رد " بعضكم " على ذلك المعنى، فرفع.
* * *
ثم قال جل ثناؤه: " والله أعلم بإيمانكم "، (66) أي: والله أعلم بإيمان من آمن منكم بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، فصدق بذلك كله = منكم. (67)
* * *
يقول: فلينكح من لم يستطع منكم طولا لحرة من فتياتكم المؤمنات. لينكح هذا المقتر الذي لا يجد طولا لحرة، من هذا الموسر، فتاتَه المؤمنة التي قد أبدت الإيمان فأظهرته، وكلوا سرائرهن إلى الله، فإن علم ذلك إلى الله دونكم، والله أعلم بسرائركم وسرائرهن.
* * *
القول في تأويل قوله : فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " فانكحوهن "، فتزوجوهن (68) وبقوله: " بإذن أهلهن "، بإذن أربابهن وأمرهم إيّاكم بنكاحهن ورضاهم (69) = ويعني بقوله: " وآتوهن أجورهن "، وأعطوهن مهورهن، (70) كما:-
9073 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " وآتوهن أجورهن " قال: الصداق.
* * *
ويعني بقوله: " بالمعروف " على ما تراضيتم به، مما أحلَّ الله لكم، وأباحه لكم أن تجعلوه مهورًا لهن. (71)
* * *
القول في تأويل قوله : مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
قال أبو جعفر: يعني بقوله: " محصنات "، (72) عفيفات =" غير مسافحات "، غير مزانيات (73) =" ولا متخذات أخدان "، يقول: ولا متخذات أصدقاء على السفاح.
* * *
وذكر أن ذلك قيل كذلك، (74) لأن " الزواني" كنّ في الجاهلية، في العرب: المعلنات بالزنا، و " المتخذات الأخدان ": اللواتي قد حبسن أنفسَهن على الخليل والصديق، للفجور بها سرًّا دون الإعلان بذلك.
*ذكر من قال ذلك:
9074 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان "، يعني: تنكحوهن عفائف غير زواني في سرّ ولا علانية =" ولا متخذات أخدان "، يعني: أخلاء.
9075 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " غير مسافحات "، المسافحات المعالنات بالزنا =" ولا متخذات أخدان "، ذات الخليل الواحد = قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفي، يقولون: " أما ما ظهر منه فهو لؤم، وأما ما خفي فلا بأس بذلك "، فأنـزل الله تبارك وتعالى: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [سورة الأنعام: 151].
9076 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر قال، سمعت داود يحدّث، عن عامر قال: الزنا زناءان: تزني بالخدن ولا تزني بغيره، وتكون المرأة سَوْمًا، (75) ثم قرأ: " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان ".
9077 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " المحصنات " فالعفائف، فلتنكح الأمة بإذن أهلها محصنة = و " المحصنات " العفائف = غير مسافحة =، و " المسافحة "، المعالنة بالزنا = ولا متخذة صديقًا.
9078 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " ولا متخذات أخدان "، قال: الخليلة يتخذها الرجل، والمرأة تتخذ الخليل.
9079 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
9080- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان "،" المسافحة ": البغيّ التي تؤاجر نفسها من عَرَض لها. و " ذات الخدن ": ذات الخليل الواحد. فنهاهم الله عن نكاحهما جميعًا.
9081 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان "، أما " المحصنات "، فهن الحرائر، يقول: تزوج حرة. وأما " المسافحات "، فهن المعالنات بغير مهر. (76) وأما " متخذات أخدان "، فذات الخليل الواحد المستسرَّة به. (77) نهى الله عن ذلك.
9082 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: الزنا وجهان قبيحان، أحدهما أخبث من الآخر. فأما الذي هو أخبثهما: فالمسافحة، التي تفجر بمن أتاها. وأما الآخر: فذات الخِدن.
9083 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان "، قال: " المسافح " الذي يَلقى المرأة فيفجر بها ثم يذهب وتذهب. و " المخادن "، الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه، فذاك " الأخدان ".
* * *
القول في تأويل قوله : فَإِذَا أُحْصِنَّ
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه بعضهم: ( فَإِذَا أَحْصَنَّ ) بفتح " الألف "، بمعنى: إذا أسلمن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام.
* * *
وقرأه آخرون: ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) بمعنى: فإذا تزوّجن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ في قراءته الصوابَ.
* * *
فإن ظن ظانٌّ أنّ ما قلنا في ذلك غيرُ جائز، إذ كانتا مختلفتي المعنى، وإنما تجوز القراءةُ بالوجهين فيما اتفقت عليه المعاني = فقد أغفل (78)
وذلك أن معنيي ذلك وإن اختلفا، فغير دافع أحدُهما صاحبه. لأن الله قد أوجب على الأمَة ذات الإسلام وغير ذات الإسلام على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، الحدَّ.
9084 - فقال صلى الله عليه وسلم: " إذا زَنت أمَةُ أحدكم فَليجلدها، كتابَ الله، ولا يُثَرِّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّبْ عليها. ثم إن عادت فليضربها، كتابَ الله، ولا يُثرّب عليها. ثم إن زَنت الرابعة فليضربها، كتابَ الله، وليبعها ولو بحبل من شَعَرٍ". (79)
9085 - وقال صلى الله عليه وسلم: " أقيموا الحدودَ على ما ملكت أيمانكم " . (80)
* * *
=فلم يخصص بذلك ذات زوج منهن ولا غير ذات زوج. فالحدود واجبةٌ على مَوالي الإماء إقامتها عليهن، إذا فجرن، بكتاب الله وأمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما حدثكم به:-
9086 - ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة تَزني ولم تُحصَن. قال: اجلدها، فإن زنت فاجلدها، فإن زنت فاجلدها، فإن زنت = فقال في الثالثة أو الرابعة = فبعْها ولو بضفير = و " الضفيرُ": الشَّعر.
9087 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل = فذكر نحوه. (81)
=فقد بينّ أن الحدّ الذي وجب إقامته بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإماء، هو ما كان قبل إحصانهن. فأما ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب، فبعدَ إحصانهن؟
قيل له: قد بيَّنا أن أحد معاني" الإحصان " الإسلام، وأن الآخر منه: التزويج، وأن " الإحصان " كلمة تشتمل على معان شتى. (82) وليس في رواية من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل " عن الأمة تزني قبل أن تُحصن "، بيانُ أن التي سئِل عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم هي التي تزني قبل التزويج، فيكون ذلك حجة لمحتج في أن " الإحصان " الذي سنّ صلى الله عليه وسلم حدَّ الإماء في الزنا، هو الإسلام دون التزويج، ولا أنه هو التزويجُ دون الإسلام.
وإذ كان لا بيان في ذلك، فالصواب من القول: أنّ كل مملوكة زنت فواجب على مولاها إقامةُ الحدّ عليها، متزوجةً كانت أو غير متزوجة، لظاهر كتاب الله، والثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا مَن أخرجه من وُجوب الحد عليه منهنّ بما يجب التسليم له.
وإذْ كان ذلك كذلك، تبين به صحةُ ما اخترنا من القراءة في قوله: " فإذا أُحصِن ".
* * *
قال أبو جعفر: فإن ظن ظانّ أن في قول الله تعالى ذكره: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ، دلالةً على أن قوله: " فإذا أحصن "، معناه: تزوّجن، إذْ كان ذكر ذلك بعد وصفهن بالإيمان بقوله: مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ = (83) وحسبَ أن ذلك لا يحتمل معنى غير معنى التزويج، مع ما تقدم ذلك من وصفهن بالإيمان = فقد ظنّ خطأ. (84)
وذلك أنه غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ، فإذا هنَّ آمنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ، فيكون الخبرُ مبتدأ عما يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهن، (85) بعد البيان عما لا يجوز لناكحهن من المؤمنين من نكاحهن، وعمن يجوز نكاحه له منهن.
فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام، فغيرُ جائز لأحد صَرْف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام، من أجل ما تقدّم من وصف الله إيَّاهن بالإيمان.
* * *
غير أن الذي نختار لمن قرأ: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ بفتح " الصاد " في هذا الموضع، أن يَقرأ: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بضم " الألف ".
ولمن قرأ: " مُحْصِنَاتٍ" بكسر " الصاد " فيه، أن يقرأ: ( فَإِذَا أَحْصَنَّ ) بفتح " الألف "، لتأتلف قراءة القارئ على معنًى واحد وسياق واحد، لقرب قوله: " مُحْصِنَاتٍ" من قوله: " فإذا أحصَن ". ولو خالف من ذلك، لم يكن لحنًا، غيرَ أنّ وجه القراءةِ ما وصفت.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، نظيرَ اختلاف القرأة في قراءته. فقال بعضهم: معنى قوله: " فإذا أحصن "، فإذا أسلمن.
*ذكر من قال ذلك:
9088 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم: أن ابن مسعود قال: إسلامها إحصانها. (86)
9089 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني جرير بن حازم: أن سليمان بن مهران حدّثه، عن إبراهيم بن يزيد، عن همام بن الحارث: أن النعمان بن عبد الله بن مقرّن، سأل عبد الله بن مسعود فقال: أَمَتي زنت؟ فقال: اجلدها خمسين جلدة. قال: إنها لم تُحصِن! فقال ابنُ مسعود: إحصانُها إسلامها.
9090 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم: أن النعمان بن مقرّن سأل ابن مسعود عن أَمةٍ زنتْ وليس لها زوج، فقال: إسلامها إحصانها. (87)
9091 - حدثني ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم: أن النعمان قال: قلت لابن مسعود: أَمتي زنت؟ قال: اجلدها. قلت: فإنها لم تُحصن! قال: إحصانها إسلامها.
9092 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة قال، كان عبد الله يقول: إحصانها إسلامها.
9093 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي أنه تلا هذه الآية: " فإذا أحصن " قال، يقول: إذا أسلمن.
9094 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن أشعث، عن الشعبي قال، قال عبد الله: الأمة إحصانها إسلامها.
9095 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، مغيرة، أخبرنا عن إبراهيم أنه كان يقول: " فإذا أحصن "، يقول: إذا أسلمن.
9096 - حدثنا أبو هشام قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن أشعث، عن الشعبي قال، الإحصان الإسلام.
9097 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن برد بن سنان، عن الزهري قال: جلد عمر رضي الله عنه ولائد أبكارًا من ولائد الإمارة في الزنا. (88)
9098 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فإذا أحصنّ"، يقول: إذا أسلمن.
9099 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن سالم والقاسم قالا إحصانها إسلامها وعفافها في قوله: " فإذا أحصن ".
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: " فإذا أحصن "، فإذا تزوّجن.
*ذكر من قال ذلك:
9100 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " فإذا أحصن "، يعني: إذا تزوّجن حرًّا.
9101 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) . يقول: إذا تزوجن.
9102 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة: أن ابن عباس كان يقرأ: " فإذا أحصن "، يقول: تزوجن.
9103 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثا، عن مجاهد قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ، وإحصان العبد أن ينكح الحرّة.
9104 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة: أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تُضرب الأمةُ إذا زنتْ، ما لم تتزوّج.
9105 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: عن الحسن في قوله: " فإذا أحصن ". قال: أحصنتهن البُعُولة.
9106 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فإذا أحصن "، قال: أحصنتهن البعولة.
9107 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عياض بن عبد الله، عن أبي الزناد: أن الشعبي أخبره، أن ابن عباس أخبره: أنه أصاب جاريةً له قد كانت زَنتْ، وقال: أحصنتها. (89)
* * *
قال أبو جعفر وهذا التأويل على قراءة من قرأ: ( فَإِذَا أُحْصِنَّ ) بضم " الألف "، وعلى تأويل من قرأ: ( فَإِذَا أَحْصَنَّ ) بفتحها. وقد بينا الصّواب من القول والقراءة في ذلك عندنا. (90)
* * *
القول في تأويل قوله : فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " فإن أتين بفاحشة "، فإن أتت فتياتكم - وهنّ إماؤكم - بعد ما أحصَنّ بإسلام، أو أحْصِنّ بنكاح (91) =" بفاحشة "، وهي الزنا (92) =" فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب "، يقول: فعليهن نصف ما على الحرائر من الحدّ، إذا هنّ زَنين قبل الإحصان بالأزواج.
* * *
و " العذاب " الذي ذكره الله تبارك وتعالى في هذا الموضع، هو الحدّ، وذلك النصف الذي جعله الله عذابًا لمن أتى بالفاحشة من الإماء إذا هن أحصن: خمسون جلدة، ونَفي ستة أشهر، وذلك نصف عام. لأنّ الواجب على الحرة إذا هي أتت بفاحشة قبل الإحصان بالزوج، جلد مئة ونفي حَوْلٍ. فالنصف من ذلك خمسون جلدة، ونفي نصف سنة. وذلك الذي جعله الله عذابًا للإماء المحصنات إذا هن أتين بفاحشة، كما:-
9108 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب " ........... (93)
9109 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فإن أتين بفاحشة فعليهن نصفُ ما على المحصنات من العذاب "، خمسون جلدةً، ولا نَفي ولا رَجمَ.
* * *
فإن قال قائل: وكيف [قيل] (94) " فعليهن نصفُ ما على المحصنات من العذاب "؟. وهل يكون الجلدُ على أحد؟
قيل: إن معنى ذلك: فلازمُ أبدانهنّ أن تجلد نصف ما يَلزم أبدان المحصنات، كما يقال: " عليّ صلاةُ يوم "، بمعنى: لازم عليّ أن أصلي صلاة يوم (95) = و " عليّ الحج والصيام "، مثل ذلك. وكذلك: " عليه الحدّ"، بمعنى لازم له إمكان نفسه من الحدّ ليقام عليه.
* * *
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ذلك "، هذا الذي أبَحْتُ = أيها الناس، (96) من نكاح فتياتكم المؤمنات لمن لا يستطيع منكم طَوْلا لنكاح المحصنات المؤمنات = أبحته لمن خشي العنت منكم، دون غيره ممن لا يخشى العنت.
* * *
واختلف أهل التأويل في هذا الموضع.
فقال بعضهم: هو الزنا.
*ذكر من قال ذلك:
9110 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثًا، عن مجاهد قوله: " لمن خشي العنت منكم "، قال: الزنا.
9111 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن العوام، عمن حدثه، عن ابن عباس أنه قال: ما ازْلَحَفَّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا. (97)
9112 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: العنتُ الزنا.
9113 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبيد بن يحيى قال، حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: العنت الزنا.
9114 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: ما ازْلَحَفَّ ناكح الأمة عن الزنا إلا قليلا " ذلك لمن خشي العنتَ منكم ".
9115 - حدثنا أبو سلمة قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير نحوه. (98)
9116 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن عطية في قوله: " ذلك لمن خشي العنت منكم "، قال: الزنا.
9117 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا فضيل، عن عطية العوفي مثله.
9118 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " لمن خشي العنت منكم "، قال: الزنا.
119 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبيدة، عن الشعبي = وجويبر، عن الضحاك = قالا العنت الزنا.
9120 - حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية: " ذلك لمن خشي العنت منكم "، قال: العنت الزنا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: العقوبة التي تُعْنِته، وهي الحدّ.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله: " ذلك لمن خشي العنت منكم "، ذلك لمن خاف منكم ضررًا في دينه وَبَدنِه.
* * *
قال أبو جعفر: وذلك أن " العنت " هو ما ضرّ الرجل. يقال منه: " قد عَنِتَ فلان فهو يَعْنَتُ عَنتًا "، إذا أتى ما يَضرّه في دين أو دنيا، ومنه قول الله تبارك وتعالى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ [سورة آل عمران: 118]. ويقال: " قد أعنتني فلان فهو يُعنِتني"، إذا نالني بمضرة. وقد قيل: " العنت "، الهلاك. (99)
* * *
=فالذين وجهوا تأويل ذلك إلى الزنا، قالوا: الزنا ضَرَرٌ في الدين، وهو من العنت.
=والذين وجّهوه إلي الإثم، قالوا: الآثام كلها ضرر في الدين، وهي من العنت.
= والذين وجهوه إلى العقوبة التي تعنته في بدنه من الحدّ، فإنهم قالوا: الحد مضرة على بدن المحدود في دنياه، وهو من العنت.
وقد عمّ الله بقوله: " لمن خشي العنت منكم "، جميعَ معاني العنت. ويجمع جميعَ ذلك الزّنا، لأنه يوجب العقوبةَ على صاحبه في الدنيا بما يُعنت بدنه، ويكتسب به إثمًا ومضرّة في دينه ودنياه. وقد اتفق أهلُ التأويل الذي هم أهله، على أن ذلك معناه. فهو وإن كان في عينه لذةً وقضاءَ شهوة، فإنه بأدائه إلى العنت، منسوبٌ إليه موصوف به، إن كان للعنت سببًا. (100)
* * *
القول في تأويل قوله : وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " وأنْ تصبروا "، أيها الناس، عن نكاح الإماء =" خير لكم " =" والله غفور " لكم نكاحَ الإماء أنْ تنكحوهن على ما أحلّ لكم وأذن لكم به، وما سلف منكم في ذلك، إن أصلحتم أمورَ أنفسكم فيما بينكم وبين الله =" رحيم " بكم، إذ أذن لكم في نكاحهن عند الافتقار وعدم الطول للحرّة.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
9121 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير: " وأن تصبروا خير لكم "، قال: عن نكاح الأمة.
9122 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثًا، عن مجاهد: " وأن تصبروا خير لكم "، قال: عن نكاح الإماء.
9123 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وأن تصبروا خير لكم "، يقول: وأن تصبرَ ولا تنكح الأمة فيكون ولدك مملوكين، فهو خيرٌ لك.
9124 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وأن تصبروا خير لكم "، يقول: وأن تصبروا عن نكاح الإماء، خيرٌ لكم، وهو حلّ.
9125 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده: " وأن تصبروا خير لكم "، يقول: وأن تصبروا عن نكاحهن = يعني نكاح الإماء= خير لكم.
9126 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا فضيل بن مرزوق، عن عطية في قوله: " وأن تصبروا خير لكم "، قال: أن تصبروا عن نكاح الإماء، خير لكم.
9127 - حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرنا ابن طاوس، عن أبيه: " وأن تصبروا خير لكم "، قال: أن تصبروا عن نكاح الأمة خيرٌ لكم.
9128 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وأن تصبروا خير لكم "، قال: وأن تصبروا عن الأمة، خير لكم.
* * *
و " أن " في قوله: " وأن تصبروا " في موضع رفع بـ " خيرٌ"، بمعنى: والصبرُ عن نكاح الإماء خيرٌ لكم.
---------------------
الهوامش:
(54) انظر تفسير"المحصنات" فيما سلف قريبًا: 151-169.
(55) في المطبوعة: "فيتزوج الأمة" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(56) في المطبوعة: "من لم يجد ما ينكح..." ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب محض.
(57) في المطبوعة: "... إلا لمن لا يجد ما ينكح به حرة ، وينفق عليها" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو الصواب الجيد.
(58) لم يشر أبو جعفر في تفسير آية النساء: 24 فيما سلف ، إلى هذه القراءة ، ولم يذكر هذا الاختلاف في قراءة"المحصنات" ، وذلك من الأدلة على اختصاره التفسير ، كما أسلفت مرارًا.
(59) هذا كله لم يذكر في تفسير آية النساء الأولى ، وبيان معنى"الإحصان" قد سلف قريبًا: 165 ، 166.
(60) هذا كله لم يذكر في تفسير آية النساء الأولى ، وبيان معنى"الإحصان" قد سلف قريبًا: 165 ، 166.
(61) الأثر: 9071 -"الوليد بن مسلم الدمشقي" ، سلفت ترجمته برقم: 2184 ، 6611 و"أبو عمرو" ، هو الأوزاعي ، وكان في المطبوعة والمخطوطة"أبو عمرو سعيد" كأنه واحد ، أو "أبو عمر" و"سعيد" ، والصواب ما أثبت.
و"سعيد بن عبد العزيز التنوخي" أبو محمد ، مضت ترجمته برقم: 8966.
وأما "أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني" ، كان من العباد المجتهدين ، وكان كثير الحديث ضعيفًا. قال أبو حاتم: "ضعيف الحديث ، طرقه لصوص فأخذوا متاعه ، فاختلط" ، مات سنة 156 ، وفي تهذيب التهذيب خطأ في سنة وفاته ، كتب: "سنة ست وخمسين ومئتين" ، والصواب ، ومئة. وقد ترجمه ابن سعد في طبقاته 7 / 2 / 170 في الطبعة الخامسة من أهل الشام ، التي منها"سعيد بن عبد العزيز التنوخي".
هذا ، وقد كان في المطبوعة والمخطوطة: "ومالك بن عبد الله بن أبي مريم" ، وليس في الرواة من يسمى بهذا الاسم ، وصوابه ما أثبت ، وأبو بكر بن أبي مريم ، قد روى عنه الوليد بن مسلم ، كما روى عن سائر من ذكر قبله.
(62) قوله: "ومنهم أبو حنيفة وأصحابه" معطوف على قوله قبل الأثر: "وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق...".
(63) في المطبوعة: "التي سماها فيهن" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب جيد.
(64) في المطبوعة: "دافعة حكمها..." والصواب ما أثبت في المخطوطة ، وإن كان كاتبها قد أساء الكتابة ، فقرأها الناشر على غير وجهها الصحيح.
(65) في المطبوعة والمخطوطة هنا: "حكمهما" على الإفراد ، والصواب ما أثبت ، على التثنية.
(66) في المخطوطة أتم الآية هنا: "بعضكم من بعض" ، وقد أحسن الناشر الأول إذ حذف هذه الزيادة هنا ، لأن سياق التفسير على أن قوله: "والله أعلم بإيمانكم" من المقدم على قوله: "بعضكم من بعض".
(67) السياق: "والله أعلم...منكم".
(68) انظر تفسير"النكاح" فيما سلف 7: 574.
(69) انظر تفسير"الإذن" فيما سلف 2: 449 ، 450 / 4: 286 ، 371 / 5: 352 ، 355 ، 395 / 7: 288 ، 377.
(70) انظر تفسير"الإيتاء" فيما سلف في فهارس اللغة ، وتفسير"الأجور" فيما سلف قريبًا: 175.
(71) انظر تفسير"المعروف" فيما سلف: 121 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.
(72) انظر تفسير"محصنات" فيما سلف قريبًا: 151 ، 168 ، 185.
(73) انظر تفسير: "السفاح" فيما سلف قريبًا: 174.
(74) في المطبوعة: "وقد ذكر..." بزيادة"قد" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(75) في المطبوعة: "وتكون المرأة شؤمًا" ، وهو كلام لا معنى له هنا ، وهي في المخطوطة: "سوما" غير منقوطة ، وهي الصواب. و"السوم" العرض ، يقال: "عرض علي سوم عالة" ، أي عرض ذلك علي عرضًا غير مبالغ فيه ، كما يعرض الماء على الإبل شربت مرة بعد مرة. ويضرب مثلا لمن يعرض عليك ما أنت عنه غني ، كالرجل يعلم أنك نزلت دار رجل ضيفًا ، فيعرض عليك القرى. ومنه"السوم" وهو عرض السلعة على البيع. وذلك بمعنى ما سيأتي في الأثر رقم: 9080: "البغي التي تؤاجر نفسها من عرض لها". هذا ، ولم يذكر هذا اللفظ مشروحًا في كتب اللغة ، فقيده هناك.
(76) في المطبوعة: "فهن المعلنات" ، وفي المخطوطة: "فهي المعالنة" ، ورجحت أن يكون الصواب ما أثبت.
(77) المستسرة: المستخفية ، من"السر".
(78) قوله: "فقد أغفل" ، جواب الشرط في قوله: "فإن ظن ظان...". وقوله: "أغفل" فعل لازم غير متعد ، أي: دخل في الغفلة ، وانظر تفسير مثله فيما سلف 1: 151 ، تعليق: 1 / 5: 52 ، تعليق: 4 = ثم: 160 ، تعليق: 1.
(79) الأثر: 9084 - حديث صحيح ، رواه من غير إسناد ، وكأنه من مسند أبي هريرة ، رواه البخاري بغير هذا اللفظ (الفتح 4: 350 / 12: 143-147) ومسلم 12: 211 / وأحمد في مسنده رقم: 7389 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8: 242-244 ، من طرق.
وقوله: "كتاب الله" على النصب ، وفي رواية للنسائي"بكتاب الله".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يثرب عليها" ، أي: لا يعيرها بالزنا ، ولا يبكتها بما أتت ، ولا يعنف عليها باللوم. وهذا أدب نبي الله صلى الله عليه وسلم لأمته: أن لا تعير مرتكبًا بما ارتكب ، وأن ترفق به ، وتعرض عن تذكيره بالفاحشة ، لئلا تمتلئ نفسه كمدًا وغيظًا وحقدًا على الناس. ولكنك ترى أهل زماننا ، يستطيلون على كل من أتى جرمًا ، فتمتلئ الصحافة بالسب والتعريض ، وقبيح الصفات لكل من أتى جرمًا ، كأن أحدهم قد أخذ عهدًا على أيامه البواقي أن لا يتورط في إثم أو جريمة. ومن يدري ، فلعل أطولهم لسانًا في ذلك ، أكثرهم استخفاء بما هو أشد من ذلك الجرم الذي ارتكبه المرتكب.
(80) الأثر: 9085 - رواه أحمد في مسنده رقم: 736 ، 1137 ، 1142 ، 1230 / والسنن الكبرى للبيهقي 8: 243. وانظر تخريجه في تفسير ابن كثير 2: 406.
(81) الأثران: 9086 ، 9087 - الإسناد الأول ، رواه مالك في الموطأ ص: 826 ، 827 ، مع خلاف في اللفظ يسير ، وقال في آخره: "والضفير ، الحبل" ، وهما سواء في المعنى. وأخرجه البخاري (الفتح 4: 350 / 12: 143-145) ، ومسلم 12: 212 ، 213 ، من طرق.
(82) انظر ما سلف قريبًا ص: 151-196.
(83) قوله: "وحسب" معطوف على قوله: "فإن ظن ظان".
(84) قوله: "فقد ظن خطأ" جواب الشرط في قوله: "فإن ظن ظان".
(85) في المطبوعة: "فيكون الخبر بيانًا عما يجب عليهن من الحد" ، غير ما في المخطوطة بسوء تصرف ، والصواب ما أثبته من المخطوطة. هذا ، ولم يرد بذكر"الخبر" و"مبتدأ" المعنى المصطلح عليه في النحو ، بل أراد إخبار الله تعالى ، وأنه ابتداء غير متصل بما قبله.
(86) الأثر: 9088 -"سعيد" هو: سعيد بن أبي عروبة = و"أبو معشر" ، هو زياد بن كليب ، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سعيد بن أبي معشر" ، وهو خطأ محض.
(87) الأثران 9089 -9090 - في الإسناد الأول: "إبراهيم بن يزيد" هو: إبراهيم النخعي. و"همام بن الحارث النخعي" ، ثقة ، كان من العباد ، وكان لا ينام إلا قاعدًا. روى عن ابن مسعود.
وذكر في الإسناد الأول : "النعمان بن عبد الله بن مقرن" ، هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، ولم أجد لهذا الاسم ذكرًا في الكتب ، وسيأتي في الأثر الذي يليه: "النعمان بن مقرن" ، وقد اختلف في"النعمان بن مقرن" فقيل: "النعمان بن عمرو بن مقرن" ، وقيل هما رجلان ، وذلك مفصل في كتب الرجال ، ولم يذكر أحد منهم"النعمان بن عبد الله بن مقرن".
هذا ، وقد روى هذا الأثر ، البيهقي في السنن الكبرى 8: 243 ، وزاد الأمر إشكالا ، فرواه من حديث إبراهيم النخعي ، عن همام بن الحارث ، عن عمرو بن شرحييل: أن معقل بن مقرن أتى عبد الله بن مسعود = ولم أستطع أن أقطع بشيء في هذا الاضطراب.
(88) الأثر: 9097 -"برد بن سنان الشامي ، مولى قريش" صاحب مكحول. روى عن عطاء بن أبي رباح ، والزهري ، ونافع مولى ابن عمر ، وغيرهم. كان صدوقًا في الحديث. مترجم في التهذيب.
وقوله: "من ولائد الإمارة" ، في المخطوطة كتب"الإمارة" في الهامش ، وكان قد ضرب على الكلمة في صلب الكلام. ولعله يعني: ولائد من السبي.
(89) في المخطوطة: "قال: حصنتها".
(90) انظر ما سلف: 195 ، 196 / ثم: 199.
(91) انظر تفسير"أتى بالفاحشة" فيما سلف: 73 ، 81.
(92) انظر تفسير"الفاحشة" فيما سلف: 3: 303 / 5: 571 / 7: 218 / 8: 73 ، 115 ، 116.
(93) الأثر: 9108 - هذا الأثر مبتور في المخطوطة والمطبوعة ، وإن كان قد ساقه كأنه غير مبتور ، فلذلك وضعت هذه النقط للدلالة على الخرم. ولم أجده في مكان آخر.
(94) الزيادة بين القوسين ، لا بد منها ، وليست في المخطوطة ولا المطبوعة.
(95) في المخطوطة: "لازم إلى أن أصلي" ، والصواب ما في المطبوعة.
(96) انظر تفسير"ذلك" بمعنى"هذا" فيما سلف 1: 225-227 / 3: 335 / 6: 466.
(97) الأثر: 9111 - ذكر هذا الأثر صاحب اللسان في (زحلف) و (زلحف) ، وقال في: "ازحلف" إنه على القلب من"ازلحف" على وزن"اقشعر" وقراءتهما بسكون الزاي ، وفتح اللام والحاء ، والفاء المشددة. وقوله: "ازلحف" أي: تنحى وتباعد ، شيئًا قليلا. وتمام الأثر في اللسان: "لأن الله عز وجل يقول: وأن تصبروا خير لكم". وانظر الأثر التالي رقم: 9114.
(98) الأثر: 9115 -"أبو سلمة" ، لم أعرف من يكون في شيوخ أبي جعفر.
(99) انظر تفسير العنت فيما سلف 4: 360 / 7: 140.
(100) في المطبوعة: "أن كان للعنت" ، وهو صواب ، ولكن أثبت ما في المخطوطة.