تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 4 من سورة النساء

القول في تأويل قوله : وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: وأعطوا النساء مهورهن عطيّة واجبة، (80) وفريضة لازمة.
* * *
يقال منه: " نَحَل فلان فلانًا كذا فهو يَنْحَله نِحْلة ونُحْلا "، (81) كما:-
8506 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "، يقول: فريضة.
8507 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، أخبرني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "، يعني بـ" النحلة "، المهر.
8508 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "، قال: فريضة مسماة.
8509 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "، قال: " النحلة " في كلام العرب، الواجب= يقول: لا ينكحها إلا بشيء واجب لها، صدقة يسميها لها واجبة، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة، بعد النبي صلى الله عليه وسلم ،إلا بصداقٍ واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبًا بغير حق.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بقوله: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "، أولياء النساء، وذلك أنهم كانوا يأخذون صَدقاتهن.
* ذكر من قال ذلك :
8510 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن سيار، عن أبي صالح قال، كان الرجل إذا زوج أيِّمه أخذ صداقها دونها، (82) فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك، ونـزلت: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " .
* * *
وقال آخرون: بل كان ذلك من أولياء النساء، بأن يعطى الرجل أخته لرجل، على أن يعطيه الآخر أخته، على أن لا كثير مهر بينهما، فنهوا عن ذلك. (83)
* ذكر من قال ذلك:
8511 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ أن أناسًا كانوا يعطي هذا الرجل أخته، ويأخذ أخت الرجل، ولا يأخذون كثير مهر، فقال الله تبارك وتعالى: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك، التأويل الذي قلناه. وذلك أن الله تبارك وتعالى ابتدأ ذكر هذه الآية بخطاب الناكحين النساءَ، ونهاهم عن ظلمهنّ والجور عليهن، وعرّفهم سبيلَ النجاة من ظلمهنّ. ولا دلالة في الآية على أن الخطاب قد صُرِف عنهم إلى غيرهم. فإذْ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين قيل لهم: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ، هم الذين قيل لهم: " وآتوا النساء صدقاتهن "= وأن معناه: وآتوا من نكحتم من النساء صدقاتهن نحلة، لأنه قال في أوّل [الآية]: (84) فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ ، ولم يقل: " فأنكحوا "، فيكون قوله: " وآتوا النساء صدقاتهن "، مصروفًا إلى أنه معنيّ به أولياء النساء دون أزواجهن.
وهذا أمرٌ من الله أزواجَ النساء المدخول بهن والمسمَّى لهن الصداق، أن يؤتوهن صدُقاتهن، دون المطلقات قبل الدخول ممن لم يسمّ لها في عقد النكاح صداق.
* * *
القول في تأويل قوله : فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: فإن وهب لكم، أيها الرجال، نساؤكم شيئًا من صدقاتهن، طيبة بذلك أنفسهن، فكلوه هنيئًا مريئًا، كما:-
8512 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا عمارة، عن عكرمة: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا "، قال: المهر.
8513 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني حَرَميّ بن عمارة قال، حدثنا شعبة، عن عمارة، عن عكرمة، [عن عمارة] في قوله الله تبارك وتعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا "، قال: الصدقات. (85)
8514 - حدثني المثنى قال، حدثني الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا " قال: الأزواج.
8515 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبيدة قال، قال لي إبراهيم: أكلتَ من الهنيء المريء! قلت: ما ذاك؟ قال: امرأتك أعطتك من صَداقها.
8516 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه، من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره، فقال له علقمة: ادْنُ فكل من الهنيء المريء!
8517 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا "، يقول: إذا كان غيرَ إضرار ولا خديعة، فهو هنيء مريء، كما قال الله جل ثناؤه.
8518 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا "، قال: الصداق،" فكلوه هنيئًا مريئًا ".
8519 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا " بعد أن توجبوه لهنّ وتُحُّلوه، =" فكلوه هنيئًا مريئًا ". (86) .
8520 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه قال: زعم حضرميٌّ أن أناسًا كانوا يتأثمون أن يُراجع أحدهم في شيء مما ساق إلى امرأته، (87) فقال الله تبارك وتعالى: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا ".
8521 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا "، يقول: ما طابت به نفسًا في غير كَرْه أو هوان، (88) فقد أحلّ الله لك ذلك أن تأكله هنيئًا مريئًا.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بهذا القول أولياء النساء، فقيل لهم: إن طابت أنفس النساء اللواتي إليكم عصمة نكاحهن، بصدقاتهن نفسًا، فكلوه هنيئًا مريئًا.
* ذكر من قال ذلك:
8522 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا سيار، عن أبي صالح في قوله: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا "، قال: كان الرجل إذا زوّج ابنته، عمد إلى صداقها فأخذه، قال: فنـزلت هذه الآية في الأولياء: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا ".
* * *
قال أبو جعفر وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، التأويلُ الذي قلنا= وأن الآية مخاطب بها الأزواج. لأن افتتاح الآية مبتدأ بذكرهم، وقوله: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا " في سياقه.
* * *
وإن قال قائل: فكيف قيل: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا "، وقد علمت أنّ معنى الكلام: فإن طابت لكم أنفسهن بشيء؟ وكيف وُحِّدت " النفس "، والمعنى للجميع؟ وذلك أنه تعالى ذكره قال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً .
قيل: أما نقل فعل النفوس إلى أصحاب النفوس، فإن ذلك المستفيض في كلام العرب. من كلامها المعروف: " ضِقت بهذا الأمر ذراعًا وذرعًا "=" وقررت بهذا الأمر عينًا "، والمعنى! ضاق به ذرعي، وقرّت به عيني، كما قال الشاعر: (89)
إِذَا التَيَّــازُ ذُو العَضَــلاتِ قُلْنَــا:
إلَيْـكَ إلَيْـكَ ! ضَـاقَ بِهـا ذِرَاعَـا (90)
فنقل صفة " الذراع " إلى " رب الذراع "، ثم أخرج " الذراع " مفسِّرة لموقع الفعل.
وكذلك وحد " النفس " في قوله: " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا " إذ كانت " النفس " مفسِّرة لموقع الخبر. (91)
* * *
وأما توحيد " النفس " من النفوس، لأنه إنما أراد " الهوى "، و " الهوى " يكون جماعة، كما قال الشاعر: (92)
بهَـا جِـيَفُ الحَسْـرَى، فَأَمَّـا عِظَامُهَا
فَبِيــضٌ، وأمّــا جِلْدُهَـا فَصَلِيـب (93)
وكما قال الآخر: (94)
فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شَجِينَا (95)
وقال بعض نحويي الكوفة: جائز في" النفس " في هذا الموضع الجمع والتوحيد،" فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا " و " أنفسًا "، و " ضقت به ذراعًا " و " ذَرْعًا " و " أذْرُعًا "، لأنه منسوب إليك وإلى من تخبر عنه، فاكتفى بالواحد عن الجمع لذلك، ولم يذهب الوهم إلى أنه ليس بمعنى جمع، لأن قبله جمعًا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن " النفس " وقع موقع الأسماء التي تأتي بلفظ الواحد، مؤدِّيةً معناه إذا ذكر بلفظ الواحد، وأنه بمعنى الجمع عن الجميع.
* * *
وأما قوله: " هنيئًا "، فإنه مأخوذ من: " هنأت البعير بالقَطِران "، إذا جَرِب فعُولج به، كما قال الشاعر: (96)
مُتَبَــــذِّلا تَبْـــدُو مَحَاسِـــنُهُ
يَضَــعُ الهِنَــاء مَــوَاضِعَ النُّقْـبِ (97)
فكأنّ معنى قوله: " فكلوه هنيئًا مريئًا "، فكلوه دواء شافيًا.
* * *
يقال منه: " هنأني الطعام ومرَأني"، أي صار لي دواء وعلاجًا شافيًا،" وهنِئني ومرِئني" بالكسر، وهي قليلة. والذين يقولون هذا القول، يقولون: " يهنَأني ويمرَأني"، والذين يقولون: " هَنَأني" يقولون: " يَهْنِيني وَيمْريني". فإذا أفردوا قالوا: " قد أمرأني هذا الطعام إمراء ". ويقال: " هَنَأت القوم " إذا عُلتهم، سمع من العرب من يقول: " إنما سميت هانئًا لتهنأ "، بمعنى: لتعول وتكفي.
-------------------------
الهوامش :
(80) في المخطوطة: "عليه واجبة" ، ووضع على"عليه" حرف"ط" ، دلالة على الخطأ. والصواب ما كان في المطبوعة.
(81) "نحلة" (بكسر النون وسكون الحاء) مصدر مثل"حكمة". و"نحلا" (بضم النون وسكون الحاء) مصدر أيضًا مثل"حكم" (بضم الحاء).
(82) في المطبوعة: "إذا زوج أيمة" بالتاء في آخره ، وهو خطأ. يقال ، "امرأة أيم ، ورجل أيم: ". وهي من النساء التي لا زوج لها ، بكرًا كانت أو ثيبًا= ومن الرجال ، الذي لا امرأة له.
(83) وذلك هو"الشغار" شغار المتناكحين بغير مهر ، إلا بضع وليته أو أيمه. وكان ذلك من نكاح الجاهلية ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه.
(84) في المخطوطة ، أسقط ذكر"الآية" التي وضعتها بين القوسين ، وفي المطبوعة جعلها"في الأول" ، والسياق يقتضي الزيادة كما أثبتها.
(85) الأثر: 8513-"حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي". أبو روح ، روى عن شعبة. قال أحمد: "صدوق ، كانت فيه غفلة" ، مترجم في التهذيب. و"عمارة" الراوي عن عكرمة ، هو أبو"حرمي بن عمارة" هذا ، وهو"عمارة بن أبي حفصة العتكي". ثقة. مترجم في التهذيب.
أما قوله"عكرمة ، عن عمارة" فلم أعرف فيمن روى عنه عكرمة من يسمى"عمارة" وظني أنه خطأ من الناسخ ، إما أن يكون كرر"عمارة" ، أو يكون صوابه"عن ابن عباس" ، فسها وكتب"عن عمارة". ولذلك وضعتها بين قوسين.
(86) في المطبوعة: "سمعت ابن زيد يقول في قوله: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا" ، وهو كلام غير تام ، لم يذكر إلا نص الآية ، وأثبت ما في المخطوطة ، وإن كان سقط من الناسخ"فكلوه" ، فأثبتها.
(87) في المطبوعة: "أن يرجع أحدهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(88) في المخطوطة: "في غير ذكره أو هوان" ، والصواب ما في المطبوعة.
(89) هو القطامي.
(90) ديوانه: 44 ، معاني القرآن للفراء 1: 256 ، واللسان (تيز) ، ثم ج 20: 319 ، وقد استشهدت به فيما سلف 1: 446 ، تعليق: 6 ، فانظره ، من قصيدته التي مجد فيها زفر بن الحارث ، وهذا البيت في صفة ناقته التي أحسن القيام عليها حتى اشتدت وسمنت وامتلأت نشاطًا ، وقبله:
فَلَمَّــا أن جَــرَى سِــمَنٌ عَلَيْهَـا
كمــا بَطَّنْــتَ بــالفَدَن السَّـيَاعَا
أَمَــرْتُ بِهَــا الرِّجَـالَ ليأخُذُوهَـا
وَنَحْــنُ نَظُــنُّ أَنْ لَـنْ تُسْـتَطَاعَا
"السياع" الطين ، و"الفدن" القصر. وقلب الكلام ، وأصله: كما بطنت الفدن بالسياع ، فصار أملس. يصف سمنها حتى امتلأت واشتدت كأنها قصر مشيد. و"التياز": الكثير اللحم الغليظ الشديد. وقوله: "إليك ، إليك" ، أي خذها. يقول له: خذها واضبطها ، ولكنه لم يقو عليها ، وضاق بها ذراعًا. وقد رد ابن بري تفسير"إليك إليك" بمعنى: خذها لتركبها وتروضها ، وقال ، "هذا فيه إشكال ، لأن سيبويه وجميع البصريين ذهبوا إلى أن"إليك" بمعنى: تنح ، وأنها غير متعدية إلى مفعول ، وعلى ما فسروه في البيت ، يقتضي أنها متعدية ، لأنهم جعلوها بمعنى: خذها. ورواه أبو عمرو الشيباني: "لديك لديك" ، عوضًا من"إليك إليك". قال: وهذا أشبه بكلام العرب وقول النحويين ، لأن"لديك" بمعنى"عندك" و"عندك" في الإغراء تكون متعدية".
وعندي أن شرح الشراح في"إليك" صواب جيد ، وقد استدرك ابن بري اجتهاده ، ولم يصب فيما استدرك.
(91) "التفسير ، والمفسر": التمييز والمميز ، اصلاح الكوفيين ، انظر ما سلف في فهرس المصطلحات. وانظر مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 256.
(92) هو علقمة بن عبدة (علقمة الفحل).
(93) ديوانه: 27 ، وشرح المفضليات: 777 ، وسيبويه 1: 107 وسيأتي في التفسير 17: 10 (بولاق) ، من قصيدته في الحارث بن جبلة بن أبي شمر الغساني ، حين أسر أخاه شأسًا ، فرحل إليه علقمة يطلب فكه. وقوله: "بها جيف الحسري" ، الضمير عائد إلى"العلوب" في البيت السابق ، وهي آثار الطريق في متان الأرض ، و"الحسري" المعيية ، يتركها أصحابها فتموت ، و"الصليب": الودك الذي يسيل من جلودها إذا مضى على موتها زمن ، وهي تحت الشمس ووقدتها. يقول: ماتت وتقادم بها العهد ، فابيضت عظامها ، وتفانى جلدها فلم يبق منه على أرض الطريق سوى آثار الودك الذي سال من جلودها. والسياق: وأما جلدها ، فلا جلد ، إنما هو الصليب وحده.
والشاهد في البيت"جلدها" وقد أراد"جلودها".
(94) هو المسيب بن زيد مناة الغنوي.
(95) سيبويه 1: 107 ، وشرح المفضليات: 778 ، واللسان (شجا) ، وقبله:
لا تُنْكِــرُوا القَتْــل وَقَــدْ سُـبِينَا
يذكر قومًا سبوا من قومه ، فجاء قومه فقتلوا منهم ، فقال لهم: لا تنكروا قتلنا لكم ، وقد وقع علينا السباء؛ فإن نكن قتلنا منكم حتى صار القتل في حلوقكم كالعظم اعترض في مجراها ، ففي حلوقنا نحن أيضًا شجا قد اعترض ، هو سباؤكم من سبيتم منا. يقول: هذه بهذه.
والشاهد قوله: "في حلقكم" ، وقد أراد"حلوقكم".
(96) هو دريد بن الصمة.
(97) الشعر والشعراء 302 ، والأغاني 10: 22 ، واللسان (نقب) ، وغيرها ، من أبياته التي قالها حين مر بالخنساء بنت عمرو بن الشريد ، وهي تهنأ بعيرًا لها ، وقد تبذلت حتى فرغت منه ، ثم نضت عنها ثيابها فاغتسلت ، ودريد يراها وهي لا تشعر به ، فأعجبته ، فانصرف إلى رحله يقول:
حَــيُّوا تُمَـاضِرَ وَارْبعُــوا صَحْـبى
وَقِفُــوا، فَــإِنَّ وُقُــوفَكُمْ حَسْـبى
أَخُنَــاسَ، قَــدْ هَـامَ الفُـؤَادُ بكُـمْ
وأصابَـــهُ تَبْــلٌ مِــنَ الحُــبِّ
مَــا إِنْ رَأَيْــتُ وَلا سَــمِعْتُ بِـه
كــاليَوْمَ طَــالِيَ أَيْنــقٍ جُــرْبِ
مُتَبَــــــذِّلا ... ... ... ... ...
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مُتَحَسِّــرًا نَضَــحَ الهِنَــاءُ بِــه
نَضْــحَ العَبِــيرِ برَيْطَـةِ العَصْـبِ
فَسَـــلِيهِمُ عَنِّـــي خُنَــاسَ، إِذَا
عَـضَّ الجَـمِيعَ الخَـطْبُ: مَا خَطْبي?
ثم خطبها إلى أبيها فردته ، فهجاها ، وزعم أنها ردته لأنه شيخ كبير ، فقيل للخنساء: ألا تجيبينه؟ فقالت: لا أجمع عليه أن أرده وأهجوه. و"النقب": (بضم النون وسكون القاف) و"النقب" (بضم ففتح) جمع نقبة: أول الجرب حين يبدو.