تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 58 من سورة الزخرف
القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
يقول تعالى ذكره: وقال مشركو قومك يا محمد: آلهتنا التي نعبدها خير؟ أم محمد فنعبد محمدا؟ ونترك آلهتنا؟.
وذُكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب: " أآلهتنا خير أم هذا " .
* ذكر الرواية بذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور عن معمر, عن قتادة أن في حرف أبي بن كعب " وقالوا أآلهتنا خير أم هذا " يعنون محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: آلهتنا خير أم عيسى؟.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين, قال: ثنا أحمد بن المفضل, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله: ( وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) قال: خاصموه, فقالوا: يزعم أن كلّ من عبد من دون الله في النار, فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعُزير والملائكة هؤلاء قد عُبدوا من دون الله, قال: فأنـزل الله براءة عيسى.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فى قوله: ( أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ ) قال: عبد هؤلاء عيسى, ونحن نعبد الملائكة.
وقوله: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ).... إلى ( فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ ). وقوله تعالى ذكره: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا ) يقول تعالى ذكره: ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد ولا قالوا لك هذا القول إلا جدلا وخصومة يخاصمونك به ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: ما بقومك يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) يلتمسون الخصومة بالباطل.
وذُكر عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: " ما ضل قوم عن الحق إلا أوتوا الجدل ".
* ذكر الرواية ذلك: حدثنا ابن المثنى, قال: ثنا يعلى, قال: ثنا الحجاج بن دينار, عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل, وقرأ: ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا )... الآية.
حدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي وأبو كُرَيب قالا ثنا محمد بن بشر, قال: ثنا حجاج بن دينار, عن أبي أُمامة " أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم, خرج على الناس وهم يتنازعون في القرآن, فغضب غضبا شديدًا, حتى كأنما صبّ على وجهه الخلّ, ثم قال صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " لا تَضْرِبُوا كِتَابَ الله بَعْضَهُ بِبَعْضٍ, فإنَّهُ ما ضَلَّ قَوْمٌ قَطُّ إلا أُوتُوا الجَدَلَ", ثم تلا( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ).