تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 7 من سورة النجم
وقوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى ) يقول: فاستوى هذا الشديد القويّ وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى, وذلك لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى, وهو الأفق الأعلى, وعطف بقوله: " وَهُوَ" على ما في قوله: " فاسْتَوَى " من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم , والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه, فيقولوا: استوى هو وفلان, وقلَّما يقولون استوى وفلان، وذكر الفرّاء عن بعض العرب أنه أنشده:
ألَــمْ تَـرَ أنَّ النَّبْـعَ يَصْلُـبُ عـودُهُ
وَلا يَسْــتَوي والخِـرْوَعُ المُتَقَصِّـفُ (3)
فرد الخروع على " ما " في يستوي من ذكر النبع, ومنه قوله الله أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا فعطف بالآباء على المكنّى في كُنَّا من غير إظهار نحن, فكذلك قوله ( فَاسْتَوَى وَهُوَ ) , وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل, فإن كان ذلك كذلك, فلا مُؤْنة في ذلك, لأن قوله ( وَهُوَ ) من ذكر اسم جبريل, وكأن قائل ذلك وجَّه معنى قوله ( فَاسْتَوَى ) : أي ارتفع واعتدل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ) جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
-------------------
الهوامش :
(3) هذا البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 314 ) وفي روايته " يخلق " في مكان " يصلب " . والخروع : شجرة لينة الأغصان ، تتقصف أفنانها للينها ، ومن ثمرها يستخرج زيت الخروع الذي يستعمل في أغراض طبية وصناعية . والنبع شجر صلب ينبت في أعالي الجبال ، تتخذ من خشبه القسي والسهام . وبينه وبين الخروع بون بعيد في صلابة العود . واستشهد الفراء بالبيت عند قوله تعالى " فاستوى وهو بالأفق الأعلى " أي استوى ( هو ) أي جبريل ، وهو أي محمد صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى ، وعطف هو البارز على هو المستتر ، فأضمر الاسم في استوى ، ورد عليه هو ، قال : وأكثر كلام العرب أن يقولوا : استوى هو وأبوه ؛ ولا يكادون يقولون : استوى وأبوه ، وهو جائز لأن في الفعل مضمرا ؛ أنشدني بعضهم : " ألم تر أن النبع ... البيت " . وقال الله وهو أصدق قيلا : (أئذا كنا ترابا وآباؤنا ) فرد الآباء على المضمر في كنا ، إلا أنه حسن لما حيل بينهما بالتراب ، والكلام : أئذا كنا ترابا نحن وآباؤنا أ . هـ .