تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 2 من سورة القمر
وقوله ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ) يقول تعالى ذكره. وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم , ودلالة تدلهم على صدقة فيما جاءهم به عن ربهم, يعرضوا عنها, فيولوا مكذّبين بها مُنكرين أن يكون حقا يقينا, ويقولوا تكذيبا منهم بها, وإنكارا لها أن تكون حقا: هذا سحر سَحَرَنا به محمد حين خَيَّلَ إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره, وهو سحر مستمرّ, يعني يقول: سحر مستمرّ ذاهب, من قولهم: قد مرّ هذا السحر إذا ذهب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال: ذاهب.
حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال: إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر, يوشك هذا أن يستمرّ ويذهب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) يقول: ذاهب.
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) كما يقول أهل الشرك إذا كُسف القمر يقولون: هذا عمل السحرة.
حدثنا ابن حميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان, قوله ( سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) قال: حين انشق القمر بفلقتين: فلقة من وراء الجبل, وذهبت فلقة أخرى, فقال المشركون حين رأوا ذلك: سحر مستمرّ.
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يوجه قوله ( مُسْتَمِرٌّ ) إلى أنه مستفعل من الإمرار من قولهم: قد مرّ الجبل: إذا صلب وقوي واشتدّ وأمررته أنا: إذا فتلته فتلا شديدا, ويقول: معنى قوله ( وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) : سحر شديد.