تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 86 من سورة الأنعام

القول في تأويل قوله : وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من ذرية نوح " إسماعيل " وهو: إسماعيل بن إبراهيم =" واليسع "، هو اليسع بن أخْطُوب بن العجوز.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة اسمه.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: (وَالْيَسَعَ) بلام واحدة مخففة.
* * *
وقد زعم قوم أنه " يفعل ", من قول القائل: " وسِعَ يسع ". ولا تكاد العرب تدخل " الألف واللام " على اسم يكون على هذه الصورة = أعني على " يفعل " = لا يقولون: " رأيت اليزيد " ولا " أتاني اليَحْيَى " (46) ولا " مررت باليشكر ", إلا في ضرورة شعر , وذلك أيضًا إذا تُحُرِّي به المدح, (47) كما قال بعضهم: (48)
وَجَدْنَـا الْوَليـدَ بْـنَ الْـيَزِيدَ مُبَارَكًـا
شَــدِيدًا بِأَحْنَــاءِ الْخِلافَـةِ كَاهِلُـهْ (49)
فأدخل في" اليزيد " الألف واللام, (50) وذلك لإدخاله إياهما في" الوليد ", فأتبعه " اليزيد " بمثل لفظه. (51)
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفيين: (وَاللَّيْسَعَ) بلامين، وبالتشديد, وقالوا: إذا قرئ كذلك، كان أشبه بأسماء العجم، وأنكروا التخفيف. وقالوا: لا نعرف في كلام العرب اسمًا على " يفعل " فيه ألف ولام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه بلام واحدة مخففة, لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه، دون التشديد, مع أنه اسم أعجمي، فينطق به على ما هو به. وإنما يُعْلَم دخول " الألف واللام " فيما جاء من أسماء العرب على " يفعل ". (52) وأما الاسم الذي يكون أعجميًّا، فإنما ينطق به على ما سَمَّوا به. فإن غُيِّرَ منه شيء إذا تكلمت العرب به، فإنما يغيّر بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان. و " الليسع " إذا شدد، لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد. وأخرى، أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال: اسمه " ليسع ". فيكون مشددًا عند دخول " الألف واللام " اللتين تدخلان للتعريف.
* * *
و " يونس " هو: يونس بن متى =" ولوطًا وكلا فضلنا "، من ذرية نوح ونوحًا, (53) لهم بينا الحق ووفقناهم له، وفضلنا جميعهم =" على العالمين " ، يعني: على عالم أزمانهم. (54)
------------------
الهوامش :
(46) في المطبوعة: "أتاني التجيب" ، وهو خطأ محض ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، وكان فيها"أتاني اليحيا" غير منقوط ، وهذا صواب قراءتها.
(47) في المخطوطة: إذا تحر به المدح" ، غير منقوطة ، وما في المطبوعة شبيه بالصواب ، والذي في معاني القرآن للفراء: "والعرب إذا فعلت ذلك ، فقد أمست الحرف مدحًا".
(48) هو ابن ميادة.
(49) معاني القرآن للفراء 1: 342 ، أمالي ابن الشجري 1: 154/2 : 252 ، 342 ، الخزانة 1: 327 ، شرح شواهد المغني: 60 ، وغيرها كثير. من شعر مدح فيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وقبل البيت:
هَمَمْــتُ بِقَـولٍ صَـادِقٍ أنْ أقولَـهُ
وَإنِّــي عَـلَى رَغْـمِ العَـدُوِّ لقَائِلُـهْ
وبعده:
أضَـاء سِـرَاجُ المُلْـكِ فَـوْقَ جَبِينِـهِ
غَــدَاةَ تَنَــاجَى بِالنَّجَــاحِ قَوَابِلُـهْ
وكان في المطبوعة: "بأعباء الخلافة" ، وهي إحدى الروايتين ، وأثبت ما في المخطوطة. و"أحناء الخلافة" ، نواحيها وجوانبها جمع"حنو" (بكسر فسكون) ، كنى بذلك عن حمل مشقات الخلافة ، وتدبير الملك ، وسياسة الرعية.
(50) في المطبوعة والمخطوطة: "فأدخل اليزيد" بإسقاط"في" والصواب إثباتها.
(51) انظر معاني القرآن للفراء 1: 342.
(52) في المطبوعة: "وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام" ، وهو تغيير لما في المخطوطة وزيادة فيها ، وإفساد لمعنى الكلام ، ونقض لما أراده أبو جعفر. وكان في المخطوطة: "وإنما نصم دخول الألف واللام" ، وهو فاسد الكتابة ، وصواب قراءته ما أثبت"يعلم" بالبناء للمجهول.
يعني أن دخول الألف واللام إنما يعرف فيما جاء من أسماء العرب على"يفعل". وهذا مناقض لما كتبه الناشر.
(53) في المطبوعة: "ونوح" بالرفع وهو خطأ ، وتغيير لما في المخطوطة. وكان في المخطوطة: "له بينا الحق" ، والأشبه بالصواب ما في المطبوعة.
(54) انظر تفسير"العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم).