تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 163 من سورة الأعراف

القول في تأويل قوله : وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واسأل، يا محمد، هؤلاء اليهود، وهم مجاوروك, عن أمر " القرية التي كانت حاضرة البحر ", يقول: كانت بحضرة البحر، أي بقرب البحر وعلى شاطئه.
* * *
واختلف أهل التأويل فيها.
فقال بعضهم: هي " أيلة ".
* ذكر من قال ذلك:
15252- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن محمد بن إسحاق, عن داود بن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر "، قال: هي قرية يقال لها " أيلة ", بين مَدْين والطور.
15253- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير في قوله: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " قال: سمعنا أنها أيلة.
15254- حدثني سلام بن سالم الخزاعي قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال، حدثنا ابن جريج, عن عكرمة قال: دخلتُ على ابن عباس والمصحف في حجره وهو يبكي, فقلت: ما يبكيك، جعلني الله فداك؟ فقال: ويلك, وتعرِف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيلة! (20)
15255- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر "، قال: هي أيلة.
15256- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قال: هي قرية على شاطئ البحر، بين مصر والمدينة، يقال لها: " أيلة ".
15257- حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: هم أهل أيلة, القرية التي كانت حاضرة البحر.
15258- حدثني الحارث قال، حدثنا أبو سعد, عن مجاهد في قوله: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر "، قال: أيلة.
* * *
وقال آخرون: معناه: ساحلُ مدين.
15259- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر " الآية, ذكر لنا أنها كانت قرية على ساحل البحر، يقال لها أيلة.
* * *
وقال آخرون: هي مَقْنا.
* ذكر من قال ذلك:
15260- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر "، قال: هي قرية يقال لها " مقنا "، بين مدين وعَيْنُوني. (21)
* * *
وقال آخرون: هي مدين.
* ذكر من قال ذلك:
15261- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق, عن داود بن الحصين, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: هي قرية بين أيلة والطور، يقال لها " مَدْين ".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هي قرية حاضرة البحر= وجائز أن تكون أيلة= وجائز أن تكون مدين= وجائز أن تكون مقنا= لأن كل ذلك حاضرة البحر، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأيِّ ذلك من أيٍّ, (22) والاختلاف فيه على ما وصفت. ولا يوصل إلى علم ما قد كان فمضى مما لم نعاينه, إلا بخبر يوجب العلم. ولا خبر كذلك في ذلك.
* * *
وقوله: " إذ يعدون في السبت "، يعني به أهله، إذ يعتدون في السبت أمرَ الله, ويتجاوزونه إلى ما حرمه الله عليهم.
* * *
يقال منه: " عدا فلان أمري" و " اعتدى "، إذا تجاوزه. (23)
* * *
وكان اعتداؤهم في السبت: أن الله كان حرَّم عليهم السبت, فكانوا يصطادون فيه السمك. (24)
* * *
= " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعًا "، يقول: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فيه العمل= " شرَّعًا ", يقول: شارعة ظاهرةً على الماء من كل طريق وناحية، كشوارع الطرق، كالذي: -
15262- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك، عن ابن عباس: " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا "، يقول: ظاهرة على الماء. (25)
15263- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " شرعًا "، يقول: من كلّ مكان.
* * *
وقوله: " ويوم لا يسبتون "، يقول: ويوم لا يعظمونه تعظيمهم السَّبت, وذلك سائر الأيام غير يوم السبت= " لا تأتيهم "، الحيتان= " كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون "، يقول: كما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء الذي ذكرنا، بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده, وإخفائه عنهم في اليوم المحلل صيده (26) = " كذلك نبلوهم "، ونختبرهم (27) = " بما كانوا يفسقون "، يقول: بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها. (28)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: " ويوم لا يسبتون ".
فقرئ بفتح " الياء " من (يَسْبِتُونَ) =من قول القائل: " سبت فلان يسبت سَبْتًا وسُبُوتًا "، إذا عظَّم " السبت ".
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: (وَيَوْمَ لا يُسْبَتُونَ) بضم الياء. =من " أسبت القوم يسبتون "، إذا دخلوا في " السبت ", كما يقال: " أجمعنا "، مرّت بنا جمعة, و " أشهرنا " مرّ بنا شهر, و " أسبتنا "، مرّ بنا سبت.
* * *
ونصب " يوم " من قوله: " ويوم لا يسبتون "، بقوله: " لا تأتيهم "، لأن معنى الكلام: لا تأتيهم يوم لا يسبتون.
* * *
---------------------
الهوامش :
(20) (1) الأثر : 15254 - (( سلام بن سالم الخزاعى )) ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 252 ، 6529 . و (( يحيى بن سليم الطائفي )) ، مضى برقم : 4894 ، 7831 . وانظر هذا الخبر وتمامه فيما سيأتي رقم 15271 .
(21) (1) (( عينونى )) ، وتكتب أيضاً ( عينونا )) ، و (( عينون )) ، ذكرها ياقوت في معجمه في الباب ، وذكرها البكرى في معجم ما استعجم في (( حبرى )) ، ولم يفرد لها باباً . قال ياقوت : (( من قرى باب المقدس . وقيل : قرية من وراء البثنية من دون القلزم ، في طرف الشام ، ذكرها كثير : إِذْ هُـنَّ فِـي غَلَـسِ الظَّـلامِ قـوارِبٌ
أَعْــدَادَ عَيْــنٍ مـن عُيُـونِ أُثَـالِ
يَجْــتَزْنَ أَوْدِيَـةَ البُضَيْـعِ جَوَازِعًـا
أجْــوَازَ عَيْنُونَــا، فَنَعْــفَ قِبَـالِ
وقال يعقوب : سمعت من يقول : عين أنا ... وقال البكرى : هي قرية يطؤها طريق المصريين إذا حجوا . وأنا ، واد )
)
. وفي الخبر ( ابن سعد 1/2/21 ، 22 ) : (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كتب لنعيم ابن أوس ، أخي تميم الدارى ، أن له (( حيرى )) ، و (( عينون )) بالشام ، قريتها كلها ، سهلها وجبلها وماءها وأنباطها وبقرها ، ولعقبة من بعده ، لا يحاقه فيها أحد ، ولا يلجه عليهم بظلم ، ومن ظلمهم وأخذ منهم شيئاً فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وكتب على )) . قال البكرى في معجم ما استعجم (420 ) : (( وكان سليمان بن عبد الملك إذا مر بها لم يعرج ويقول : أخاف أن تمسنى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) .
(22) (1) في المطبوعة : (( بأن ذلك من أي )) ، ظن أنه يصحح ما في المخطوطة ، فخلط خلطاً لا مخرج منه . وهذا تعبير مضى مرارًا ، وأشرت إليه 1 : 520 س : 16 / 2 : 517 س : 15 / 3 : 64 س : 7 / 6 : 291 س : 6 / 8 : 85 ، 86 تعليق : 1 ، فراجعه هناك ٍ ، فقد غيره الناشر في كل هذه المواضع .
(23) (2) انظر تفسير : (( عدا )) و (( اعتدى )) فيما سلف 12 : 36 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(24) (1) انظر معنى (( السبت )) واعتداؤهم فيه فيما سلف 2 : 166 - 182 / 9 : 361 ، 362 .
(25) (2) الأثر : 15262 - (( عثمان بن سعيد الزيات الأحول )) ، لا بأس به ، مضى برقم : 137 . وكان في المطبوعة والمخطوطة : (( عثمان بن سعد )) ، وهو خطأ محض . و (( بشر بن عمارة الخثعمي )) ، ضعيف ، مضى أيضاً برقم : 137 . وهذا الخبر جزء من خبر طويل مضى قديماً برقم : 1138 ( 2 : 168 ) .
(26) (3) في المطبوعة والمخطوطة : (( وإخفائها )) ، والسياق يقتضى ما أثبت .
(27) (4) انظر تفسير (( الابتلاء )) فيما سلف من فهارس اللغة ( بلا ) .
(28) (1) انظر تفسير ((الفسق ) فيما سلف من فهارس اللغة ( فسق ) .