تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 1 من سورة المدثر

يقول جلّ ثناؤه: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) يا أيها المتدثر بثيابه عند نومه.
وذُكر أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذلك، وهو متدثر بقطيفة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قال: كان متدثرا في قطيفة.
وذُكر أن هذه الآية أول شيء نـزل من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قيل له: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .
كما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدّث عن فترة الوحي: " بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْت صَوْتا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رأسِي، فإذَا المَلَك الَّذِي جاءَنِي بحرَاءَ جالِسٌ عَلى كُرْسِي بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقا (1) ، وجِئْتُ أهْلِي
فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فدَثَّرُونِي" فأنـزل الله ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ .. ) إلى قوله: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) قال: ثم تتابع الوحي.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أُنـزل أوّل، فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) فقلت: يقولون اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله: أيّ القرآن أنـزل أوّل؟ فقال: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )، فقلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال: لا أخبرك إلا ما حدثنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: جاورت في حِراء ؛ فلما قضيت جواري هبطت، فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدّامي، فلم أر شيئا، فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فخشيت منه، هكذا قال عثمان بن عمرو، إنما هو: فجثثت منه، ولقيت خديجة، فقلت دثروني، فدثروني، وصبوا عليّ ماءً، فأنـزل الله عليّ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) .
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عليّ بن مبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال سألت أبا سلمة عن أوّل ما نـزل من القرآن، قال: نـزلت ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) أوّل ؛ قال: قلت: إنهم يقولون اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، فقال: سألت جابر بن عبد الله، فقال: لا أحدّثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاوَرْتُ بِحِراء ؛ فلمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلمْ أرَ شَيْئا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئا، فَرَفَعْتُ رأسي فرأيْتُ شَيْئا، فأتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصبُّوا عَليَّ ماء بارِدًا، فنـزلت ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، قال: فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة، فحزن حزنًا، فجعل يعدو إلى شواهق رءوس الجبال ليتردّى منها، فكلما أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل عليه السلام فيقول: إنك نبيّ الله، فيسكن جأشه، وتسكن نفسه ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك، قال: " بَيْنَما أنا أَمْشِي يَوْما إذ رأيْتُ المَلَكَ الَّذِي كان يأتِيني بِحرَاءَ على كُرْسِيّ بَينَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجَثَثْتُ مِنْهُ رُعْبا، فَرَجَعْتُ إلى خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: " زَمِّلُونِي"، فزملناه: أي فدثرناه، فأنـزل الله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّر ) قال الزهري: فكان أوّل شيء أنـزل عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... حتى بلغ مَا لَمْ يَعْلَمْ .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )، فقال بعضهم: معنى ذلك: يأيُّها النائم في ثيابه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) قال: يأيها النائم.
حدثنا بشر، ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) يقول: المتدثر في ثيابه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يا أيُّها المتدثر النبوّة وأثقالها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: وسُئل داود عن هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) فحدثنا عن عكرِمة أنه قال: دثِّرت هذا الأمر فقم به.
------------------------
الهوامش:
(1) جثثت منه بالبناء للمجهول: فزعت وخفت.