تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 17 من سورة المدثر

وقوله: ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) يقول تعالى ذكره: سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها.
وقيل: إن الصعود جبل في النار يكلَّفُ أهل النار صعوده.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا محمد بن سعيد بن زائدة، قال: ثنا شريك، عن عمارة، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) قال: هو جبل في النار من نار، يكلَّفون أن يصعدوه، فإذا وضع يده ذابت، فإذا رفعها عادت، فإذا وضع رجله كذلك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُصْعَدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذلكَ مِنْهُ أبَدًا ".
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) قال: مشقة من العذاب.
حدثني الحارث، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) أي عذابا لا راحة منه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) قال: مشقة من العذاب.
حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) قال: تعبا من العذاب.
يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقته وحيدا، فكَّر فيما أنـزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقدّر فيما يقول فيه ( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ) يقول: ثم لعن كيف قدّر النازل فيه ( ثُمَّ نَظَرَ ) يقول: ثم روّى في ذلك ( ثُمَّ عَبَسَ ) يقول: ثم قبض ما بين عينيه ( وَبَسَرَ ) يقول: كلح وجهه؛ ومنه قول توبة بن الحُمَيِّر:
وَقَــدْ رَابَنِـي مِنْهـا صُـدُودٌ رأيتُـهُ
وإعْراضُهـا عَـنْ حـاجَتِي وبُسُورُها (1)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الأخبار عن الوحيد أنه فعل.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن عباد بن منصور، عن عكرِمة، أن الوليد بن المُغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فقال: أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا قال: لِمَ؟ قال: يعطونكه فإنك أتيت محمدا تتعرّض لما قِبَله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنَّك مُنكر لما قال، وأنك كاره له؛ قال: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى، قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه؛ فلما فكَّر قال: هذا سحر يأثره عن غيره، فنـزلت ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا قال قتادة: خرج من بطن أمه وحيدا، فنـزلت هذه الآية حتى بلغ تسعة عشر.
حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ... ) إلى ( ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ) قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قُحافة رضي الله عنه، يسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة، فو الله ما هو بشعر، ولا بسحر، ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله، فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبأنّ قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل قال: أنا والله أكفيكم شأنه، فانطلق حتى دخل عليه بيته، فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة قال: ألستُ أكثرهم مالا وولدا؟ فقال له أبو جهل: &; 24-25 &; يتحدّثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قُحافة لتصيب من طعامه، قال الوليد: أقد تحدثت به عشيرتي، فلا يقصر عن سائر بني قُصيّ، لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر، فأنـزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ... إلى لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ .
------------------------
الهوامش:
(1) أنشد المؤلف البيت شاهدا عند قوله تعالى: { ثم عبس وبسر }. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( الورقة 182 ): عبس وبسر: كره وجهه. وقال توبة ( ابن الحمير صاحب ليلى الأخيلية ): " وقد رابني ... " البيت. وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 347) وقد ذكر موقف الوليد بن المغيرة المخزومي من الإسلام ورسوله: وقوله: { ثم نظر ثم عبس وبسر } ذكروا أنه مر على طائفة من المسلمين في المسجد الحرام، فقالوا: هل لك إلى الإسلام يا أبا المغيرة فقال: ما صاحبكم إلا ساحر، وما قوله إلا السحر، تعلمه من مسيلمة "الكذاب" ومن سحرة بابل، ثم قال: ولى عنهم مستكبرا، وقد عبس وجهه وبسر، وكلح مستكبرا عن الإيمان. فذلك قوله: { إن هذا إلا سحر يؤثر } عن أهل بابل، قال الله: { سأصليه سقر}، وهو اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يجر ( يصرف ) وكذلك لظى.