تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 14 من سورة القيامة
وقوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) يقول تعالى ذكره : بل الإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله ، ويشهدون عليه به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) يقول : سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه ، [ ص: 63 ] والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله : ( على نفسه ) ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله : نفسه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بل الإنسان شاهد على نفسه وحده ، ومن قال هذا القول جعل البصيرة خبرا للإنسان ، ورفع الإنسان بها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) يقول : الإنسان شاهد على نفسه وحده .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) قال : شاهد عليها بعملها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلا عن ذنوبه; قال : وكان يقال : إن في الإنجيل مكتوبا : يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك ، ولا تبصر الجذع المعترض في عينك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) قال : هو شاهد على نفسه ، وقرأ : ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ومن قال هذه المقالة يقول : أدخلت الهاء في قوله ( بصيرة ) وهي خبر للإنسان ، كما يقال للرجل : أنت حجة على نفسك ، وهذا قول بعض نحويي البصرة . وكان بعضهم يقول : أدخلت هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر ، كما أدخلت في راوية وعلامة .