تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 70 من سورة الأنفال

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي، قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا)، يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلامًا =(يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم)، من الفداء =(ويغفر لكم)، يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جُرْمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه وكفركم بالله =الله غفور)، لذنوب عباده إذا تابوا =(رحيم)، بهم، أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. (1)
* * *
وذكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نـزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
16321- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس, عن ابن إسحاق, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: قال العباس: فيّ نـزلت: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ , فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي, وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى, فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلهم تاجر, مالي في يديه. (2)
* * *
وقد:-
16322- حدثنا بهذا الحديث ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد, حدثني الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس, عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: فيّ والله نـزلت، حين ذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي = ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. (3)
16323- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مالُ البحرين ثمانون ألفًا, وقد توضأ لصلاة الظهر, فما أعطى يومئذ شاكيًا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرّقه, وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي, فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا، وأرجو المغفرة.
16324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, وكان العباس أسر يوم بدر, فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب, فقال العباس حين نـزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خَصلتين، ما أحب أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية, فآتاني أربعين عبدًا، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
16325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) إلى قوله: الله غفور رحيم)، يعني بذلك: من أسر يوم بدر. يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي, آتيتكم خيرًا مما أخذ منكم، وغفرت لكم.
16326- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني. عن ابن عباس: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى)، عباس وأصحابه, قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به, ونشهد إنك لرسول الله, لننصحن لك على قومنا. فنـزل: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم)، إيمانًا وتصديقًا, يخلف لكم خيرًا مما أصيب منكم =(ويغفر لكم)، الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنـزل فينا، وأن لي الدنيا, لقد قال: (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) فقد أعطاني خيرًا مما أخذ مني مئة ضعف, وقال: (ويغفر لكم)، وأرجو أن يكون قد غُفِر لي.
16327- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية, يعني العباسَ وأصحابه، أسروا يوم بدر. يقول الله: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي، أعطيتكم خيرًا مما أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا الله خصلتين، ما شيء هو أفضل منهما: عشرين عبدًا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق ننتظر المغفرة من الله سبحانه.
---------------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة .
(2) الأثر : 16321 - في المطبوعة : " أبي إسحاق " ، والصواب من المخطوطة ، وانظر التعليق التالي .
(3) الأثر : 16322 - هذا الخبر والذي قبله ، ذكرهما الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 8 ، مطولا ، وقال : " رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ، ورجال الأوسط رجال الصحيح ، غير ابن إسحاق ، وقد صرح بالسماع " .
وظاهر أنه يعني إسنادًا غير هذين الإسنادين ، فإن الأول لم يصرح فيه السماع ، والثاني فيه " الكلبي " .
وذكره الواحدي في أسباب النزول ، عن الكلبي ، مطولا : 180 ، 181 .
وكان في المطبوعة والمخطوطة : " جابر بن عبد الله بن رباب " ، وهو خطأ ، صوابه ما أثبت .