تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 16 من سورة إبراهيم
وقوله : { من ورائه جهنم } صفة ل { جبار عنيد } ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة .
والوراء : مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لافتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ...
يكون وراءَه فَرج قريب ... وأما إطلاق الوراء على معنى من بَعْد } فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه .
والمعنى : أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته .
والصديد : المُهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يُسْقى . والمعنى : ويسقى صديداً عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل { صديد } عطفَ بيان ل { ماء }. وهذا من وجوه التشبيه البليغ .
وعطف جملة { يسقى } على جملة { من ورائه جهنم } لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم .