تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 42 من سورة الحجر

والمعنى أن الله وضع سنّة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاوياً ، أي مائلاً للغواية مكتسباً لها دون مَن كبحَ نفسه عن الشر . فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان عَلم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى وصرف إليه عزمه قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان ، وإذا مَال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته صار متهيئاً إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوَى . فالاتباع مجاز بمعنى الطاعة واستحسان الرأي كقوله : { فاتبعوني يحببكم الله } [ سورة آل عمران : 31 ].
وإطلاق { الغاوين } من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاوياً بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة . وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد ، ثم استثناء من كان غاوياً .
فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاوياً علمنا أن ثمّة وصفاً بالغواية هو مهيَىءُ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه . وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل ، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها .
فالإضافة في قوله تعالى : { عبادي } للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة ، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك .