تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 52 من سورة مريم

وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وجملة وناديناه عطف على جملة إنه كان مخلصاً فهي مثلها مستأنفة .
والنداء : الكلام الدال على طلب الإقبال ، وأصله : جهر الصوت لإسماع البعيد ، فأطلق على طلب إقبال أحد مجازاً مرسَلاً ، ومنه { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } [ الجمعة : 9 ] ، وهو مشتق من الندى بفتح النون وبالقصر وهو بُعد الصوت . ولم يسمع فعله إلاّ بصيغة المفاعلة ، وليست بحصول فعل من جانبين بل المفاعلة للمبالغة ، وتقدم عند قوله تعالى : { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء } في سورة البقرة ( 171 ) ، وعند قوله : { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان } في سورة آل عمران ( 193 ).
وهذا النداء هو الكلام الموجه إليه من جانب الله تعالى . قال تعالى : { إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي }
في سورة الأعراف ( 144 ) ، وتقدم تحقيق صفته هناك ، وعند قوله تعالى : { حتى يسمع كلام اللَّه } في سورة براءة ( 6 ).
والطّور : الجبل الواقع بين بلاد الشام ومصر ، ويقال له : طور سيناء .
وجانبه : ناحيته السفلى ، ووصفه بالأيمن لأنه الذي على يمين مستقبل مشرق الشمس ، لأن جهة مشرق الشمس هي الجهة التي يضبط بها البشر النواحي .
والتقريب : أصله الجعل بمكان القرب ، وهو الدنو وهو ضد البعد . وأريد هنا القرب المجازي وهو الوحي . فقوله : نَجِيّاً } حال من ضمير { موسى } ، وهي حال مؤكدة لمعنى التقريب .
ونجّي : فعيل بمعنى مفعول من المناجاة . وهي المحادثة السرية؛ شُبّه الكلام الذي لم يكلم بمثله أحداً ولا أطْلَع عليه أحداً بالمناجاة . وفعيل بمعنى مفعول ، يجيء من الفعل المزيد المجرد بحذف حرف الزيادة ، مثل جليس ونديم ورضيع .