تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 57 من سورة مريم
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
وقوله ورفعناه مكاناً علياً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } قال جماعة من المفسرين هو رفع مجازي . والمراد : رفع المنزلة ، لما أوتيه من العلم الذي فاق به على من سلفه . ونقل هذا عن الحسن . وقال به أبو مسلم الأصفهاني . وقال جماعة : هو رفع حقيقي إلى السماء ، وفي الإصحاح الخامس من سفر التكوين «وسار أخنوخ مع الله ولم يُوجد لأنّ الله أخذه» ، وعلى هذا فرفعه مثل رفع عيسى عليه السلام . والأظهر أن ذلك بعد نزع روحه وروْحنة جثته . ومما يذكر عنه أنّه بقي ثلاث عشرة سنة لا ينام ولا يأكل حتى تَرَوْحَن ، فرفع . وأما حديث الإسراء فلا حجة فيه لهذا القول لأنه ذكر فيه عدة أنبياء غيره وجدوا في السماوات . ووقع في حديث مالك بن صعصعة عن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات أنه وجد إدريس عليه السلام في السماء وأنه لمّا سلّم عليه قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . فأخذ منه أنّ إدريس عليه السلام لم تكن له ولادةٌ على النبي صلى الله عليه وسلم لأنّه لم يقل له والابن الصالح ، ولا دليل في ذلك لأنه قد يكون قال ذلك اعتباراً بأخوّة التوحيد فرجحها على صلة النسب فكان ذلك من حكمته .
على أنّه يجوز أن يكون ذلك سهواً من الراوي فإن تلك الكلمة لم تثبت في حديث جابر بن عبدالله في «صحيح البخاري» . وقد جزم البخاري في أحاديث الأنبياء بأن إدريس جد نوح أو جدّ أبيه . وذلك يدلّ على أنّه لم ير في قوله «مرحباً بالأخ الصالح» ما يُنافي أن يكون أباً للنبيء صلى الله عليه وسلم